وعن عروة بن الزبير كان إذَا رَأى ما عِنْدَ السلطان يتلو هذه الآية، وقال : الصلاة يرحمكم الله قوله :" أزواجاً " في نصبه وجهان : أحدهما : أنَّه منصوبٌ على المفعول به.
والثاني : أنَّه منصوب على الحال من الهاء في " بِهِ ".
راعى لفظ " مَا " مرده فأفرد، ومعناها أخرى فلذلك جمع.
قال الزمخشري : ويكون الفعل واقعاً على " مِنْهُم " كأنه قال : إلى الذين متَّعْنا به وهو أصناف منهم.
قال ابن عباس : أناساً منهم.
قال الكلبي والزجاج : رجالاً منهم.
قوله :" زَهْرَة " في نصبه تسعة أوجه : أحدها : أنَّه مفعول ثانٍ، لأنه ضَمَّن " مَتَّعْنَا " معنى أعطينا، فـ " أزْوَاجاً " مفعول أول، و " زَهْرَةَ " هو الثاني.
الثاني : أن يكون بدلاً من " أزواجاً "، وذلك إما على حذف مضاف أي ذوي زهرة، وإمَّا على المبالغة جعلوا نفس الزهرة.
الثالث : أن يكون منصوباً بفعل مضمرٍ دلَّ عليه " مَتَّعْنَا " تقديره : جَعَلنَا لهم زهرة الرابع : نصبه على الذم، قال الزمخشري : وهو النصب على الاختصاص.
الخامس : أن يكون بدلاً من موضع الموصول، قال أبو البقاء : واختاره
٤٢٧
بعضهم، وقال آخرون : لا يجوز، لأن قوله : لِنَفْتِنَهُمْ " من صلة " مَتَّعْنَا " فيلزم الفصل بين الصلة والموصول بالأجنبي.
وهو اعتراض حسن.
السادس : أن ينتصب على البدل من محل " بِهِ ".
السابع : أن ينتصب على الحال من " مَا " الموصولة.
الثامن : أنه حالٌ من الهاء في " بِهِ "، وهو ضمير الموصول، فهو كالذي قبله في المعنى.
فإن قيل : كيف يقع الحال معرفة ؟ فالجواب : أن تجعل " زَهْرَة " منونة نكرة، وإنما حذف التنوين للالتقاء الساكنين نحو :
٣٧٠٢ - وَلاَ ذَاكِرَ اللهَ إلاَّ قَلِيلا
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٤٢٥
وعلى هذا : فبم (جُرَّت " الحَيَاةِ " ؟ فقيل : على البدل من " مَا " الموصولة).
التاسع : أنه تمييز لـ " مَا " أو الهاء في " بِهِ " وقد ردوه عليه بأنه
٤٢٨
معرفة والمميز لا يكون معرفة، وهذا غير لازم، لأنه يجوز تعريف التمييز على أصول الكوفيين.
والعاشر : أنه صفة لـ " أزْوَاجاً " بالتأويلين المذكورين في نصبه حالاً وقد منعه أبو البقاء يكون الموصوف نكرة والوصف معرفة، وهذا يجاب عنه بما أجيب في تسويغ نصبه حالاً أعني حذف التنوين للالتقاء الساكنين.
والعامة على تسكين الهاء، وقرأ الحسن وأبو البرهسم وأبو حَيْوة بفتحها، فقيل : بمعنى كَجَهْرَة وجَهْرَة.
وأجاز الزمخشري أن يكونَ جمع زاهر كفَاجِر وفَجَرة وبَارّ وبَرَرَة وروى الأصمعي عن نافع " لِنُفْتِنهُمْ " بضم النون من أقتنه إذا اوقعه في الفتنة والزَّهْرة بفتح الحاء وسكونها كَنَهر ونهْر ما يروق من النور وسراج زاهر لبريقه ورجل أزهر وامرأة زهراء من ذلك والأنجم الزهرُ هي المضيئة.
فصل معنى " مَتَّعْنَا " ألذَذَْنَا به، والإمتاع : الإلذاذ بما يدرك من المناظر الحسنة ويسمع من
٤٢٩
الأصوات المطربة، ويشم من الروائح الطيبة، وغير ذلك من الملابس والمناكح، يقال : أَمْتَعَه ومتَّعه تمتيعاً، والتفعيل يقتضي التكثير.
ومعنى الزهرة فيمن حرَّك الزينة والبهجة، كما جاء في الجهرة قرئ " أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً}.
وقيل : جمع زاهر وصفاً لهم بأنهم زَهْرَة هذه الحياة الدنيا لصفاء ألوانهم وتهلُّلِ وجوههم بخلاف ما عليه الصُّلحاء من شُحُوب الألوان والتقشف في الثياب.
ومعنى " نَفْتِنَهُمْ " نُعَذِّبَهُم كقوله :﴿فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [التوبة : ٥٥].
وقال ابن عباس : لنجعل ذلك فتنةً لهم بأن أزيد لهم في النعمة فيزيدوا كفراً وطغياناً.
ثم قال :" وَرِزْقُ رَبِّك " في المعاد يعني في الجنة " خَيْرٌ وَأَبْقَى " أي : خير من مطلبوبهم وأبقى، لأنه يدوم ولا ينقطع، وليس كذلك حال ما أتوه في الدنيا.
ويحتمل أن ما أوتيته من يسير الدنيا إذا قرنته بالطاعة، ورضيت به، وصبرت عليه كانت عاقبته خيراً لك.
ويحتمل أن يكون المراد ما أعطي من النبوة والدرجات الرفيعة.
قوله :﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ﴾ أي : قَوْمك.
وقيل : مَنْ كان على دينك كقوله تعالى :﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ﴾ [مريم : ٥٥] وحمله بعضهم على أقاربه.
" واصْطَبِرْ عليها " أي : اصبِرْ على الصلاة وحافظ عليها فإنها تَنْهى عن الفحشاء والمنكر.
وكان رسولُ الله - ﷺ - بعدَ نزول هذه الآية يذهب إلى فاطمة وعليّ - عليهما السلام - في كلِّ صباحٍ ويقول :" الصَّلاة ".
ثم بيَّن تعالى أنَّما أمرهم بذلك لنفعهم وأنه متعال عن المنافع، فقال :﴿لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً﴾ أي : لا نكلفك أن ترزق أحداً من خلقنا، ولا أن ترزق نفسَك، وإنما نكلفُكَ عَمَلاً فَفَرِّغْ بالَك لأمر الآخرة،
٤٣٠
كما قال بعضهم : مَنْ كان في عمل الله كان الله في عمله.
وقال أبو مسلم : معناه إنما يُريدُ منه أن يرزقه كما يريد السادة من العبيد الخراج، ونظيره ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ﴾ [الذاريات : ٥٦، ٥٧].
وقيل : المعنى إنما أمرناك بالصَّلاة لا لأنا ننتفع بصلاتك.
" نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ " في الدنيا بوجود النعم، وفي الآخرة بالثواب قال عبد الله بن سلام : كان النبيُّ - ﷺ - إذا نزل بأهلِهِ ضِيقٌ أو شِدَّةٌ أمرهم بالصلاة، وتلا هذه الآية.
" وَالعَاقِبَةُ " الجميلة المحموجة " لِلتَّقْوَى " أي : لأهل التقوى.
قال ابن عباس - رضي الله عنهما - :(الذين صدَّقوك واتَّبعوك واتقون)، ويؤيده قوله في موضع آخر، ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأعراف : ١٢٨، القصص : ٨٣].
وقرأ ابنُ وثاب :" نَرْزُقكَ " بإدغام القاف في الكاف، والمشهور عنه أنه لا يدغم إلا إذا كانت الكاف متصلة بميم جمع نحو : خَلَقَكُمْ، كما تقدم.
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٤٢٥
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٤٣٠