الإنسان، ثم أكد ذمهم بقوله :" لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ " واللاهية من لهي عنه إذا ذهل وغفل.
وقدم ذكر اللعب على اللهو كما في قوله تعالى :﴿إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ [محمد : ٣٦] تنبيهاً على أن اشتغالهم باللعب الذي معناه الذهول والغفلة والسخرية والاستهزاء مُعَلَّل باللهو الذي معناه الذهول، فإنهم إنما أقدموا على اللعب لذهولهم عن الحق.
وقوله :" وَأسَرُّوا النَّجْوَى " فيه سؤال، وهو أن النجوى اسم من التناجي، وهو لا يكون إلا خفية، فما معنى قوله :" وَأَسَرُّوا " ؟ فالجواب : أنهم بالغوا في إخفائها، وجعلوها بحيث لا يفطن أحد لتناجيهم.
فإن قيل : لِمَ قال :﴿وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾ ؟ فالجواب : أن إبدال " الَّذِينَ ظَلَمُوا " من " أسَرُّوا " إشعار بأنهم المسومون بالظلم الفاحش فيما أسروا به.
أو جاء على لغة من قال : أكلوني البراغيث وقوله :﴿هَلْ هَـاذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾ قال الزمخشري : هذا الكلام كله في محل النصب بدلاً من " النَّجْوَى " أي : وَأسروا هذا الحديث، وهو قولهم :﴿هَلْ هَـاذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾.
ويحتمل أن يكون التقدير : وَأَسروا النجوى وقالوا هذا الكلام وإِنما أسروا هذا الحديث لوجهين : أحدهما : إنما كان ذلك شبه التشاور فيما بينهم، والتحاور في طلب الطريق إلى هدم أمره، وعادة المتشاورين أن يجتهدوا في كتمان سرهم عن أعدائهم.
الثاني : يجوز أن يسروا نجواهم بذاك، ثم يقولوا لرسول الله والمؤمنين : إن كان ما تدعونه حقاً (فَأخْبِرُونا بما أسررناه).
واعلم أنهم طعنوا في نبوته - عليه السلام - بأمرين : أحدهما : أنه بشر مثلهم.
والثاني : أن الذي أتى به سحر.
وكلا الطعنين فاسد، أما الأول، فلأن النبوة تقف صحتها على المعجزات والدلائل
٤٤٩
لا على الصور، إذ لو أرسل الملك إليهم لما علم كونه نبياً بصورته، وإنما كان يعلم بالعلم، فإذا أظهر ذلك على من هو بشر فيجب أن يكون نبياً، بل الأولى أن يكون المبعوث إلى البشر بشراً، لأن المرء إلى القبول من أشكاله أقرب، وهو به أقيس.
وأما الثاني وهو أن ما أتى به الرسول من القرآن ظاهره الوعيد لا مرية فيه، ولا لبس، وقد كان عليه السلام يتحداهم بالقرآن مدة من الزمان حالاً بعد حال، وهم أرباب الفصاحة والبلاغة، وكانوا في نهاية الحرص على إبطال أمره، وأقوى الأمور في إبطال أمره معارضة القرآن، فلو قدروا على المعارضة لامتنع أن لا يأتوا بها، لأن الفعل عند توفر الدواعي وارتفاع الصارف واجب الوقوع، فلما لم يأتوا بها، لأن الفعل عند توفر الدواعي وارتفاع الصارف واجب الوقوع، فلما لم يأتوا بها دلَّنا ذلك على أنه في نفسه معجز، وأنهم عرفوا حاله فكيف يجوز أن يقال : إنه سحر والحال ما ذكرناه وكل ذلك يدل على انهم كانوا عالمين بصدقه إلا أنهم كانوا يوهمون على ضعفائهم بمثل هذا القول، وإن كانوا فيه مكابرين.
والمعنى :" أفَتَأْتُونَ " تحضرون " السِّحْرَ وَأَنْتُم " تعلمون أنه سحر.
اسم الكتاب : تفسير اللباب في علوم الكتاب
قوله :﴿قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ﴾.
قرأ الأخوان وحفص " قَالَ " على لفظ الخبر والضمير للرسول - صلى الله عليه وسلم.
والباقون :" قُلْ " على الأمر له.
قوله :" فِي السَّمَاءِ " فيه أوجه : أحدها : أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من القول.
والثاني : أنه حال من فاعل " يَعْلَمُ " وضعفه أبو البقاء، وينبغي أن يمتنع.
٤٥٠


الصفحة التالية
Icon