الوجوه على إثبات الصانع ووحدانيته ظاهرة لأن أحداً لا يقدر على مثل ذلك.
قوله :﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ يجوز في " جَعَلَ " هذه أن يكون بمعنى " خَلَقَ " فيتعدى لواحد، وهو ﴿كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ و " من الماء " متعلق بالفعل قبله، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه من " كُلَّ شَيْءٍ " لأنه في الأصل يجوز أن يكون وصفاً له فلما قدم عليه نصب على الحال.
ومعنى خلقه من الماء : أحد شيئين : إما شدة احتياج كل حيوان للماء فلا يعيش بدونه، وإما لأنه مخلوق من النطفة التي تسمى ماء.
ويجوز أن يكون (جَعَلَ) بمعنى (صَيَّرَ) فيتعدى رثنين ثانيهما الجار بمعنى أنا صيرنا كل شيء حي بسبب من الماء لا بد له منه.
والعامة على خفض " حَيٍّ " صفة لشيء.
وقرأ حميد بنصبه على أنه مفعول ثان لـ " جعلنا " والظرف لغو، ويبعد على هذه القراءة أن يكون " جَعَلَ " بمعنى (خلق)، وأن ينتصب " حياً " على الحال.
قال الزمخشري : و " مِنْ " في هذا نحو " مِنْ " في قوله عليه السلام " ما أنا مِنْ دَدٍ وَلاَ الدَّدُ مِنَّي " فإن قيل : كيف قال : خلقنا من الماء كل حيوان، وقد قال :﴿وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ﴾ [الحجر : ٢٧]، وقال عليه السلام :" إن الله تعالى خلق الملائكة من النور "، وقال في عيسى :﴿وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِيِ﴾ [المائدة : ١١٠]، وقال في حق آدم :﴿خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ﴾ [آل عمران : ٥٩] فالجواب : اللفظ وإن كان عاماً
٤٨٧
إلا أن القرينة المخصصة قائمة، فإن الجليل لا بد وأن يكون مشاهداً محسوساً ليكون أقرب إلى المقصود، وبهذا الطريق تخرج عنه الملائكة والجن وآدم وقصة عيسى لأن الكفار لم يروا شيئاً من ذلك.
فصل قال بعض المفسرين : المراد بقوله :﴿كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ الحيوان فقط.
وقال آخرون : بل يدخل فيه النبات، لأنه من الماء صار نامياً، وصار فيه الرطوبة والخضرة والنور والثمر.
وهذا القول أليق بالمقصود، لأن المعنى كأنه قال : ففتقنا السماء لإنزال المطر وجعلنا منه كل شيء في الأرض من النبات وغيره حياً.
فإن قيل : النبات لا يسمى حياً.
فالجواب : لا نسلم، ويدل عليه قوله تعالى ﴿كَيْفَ يُحْيِيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ﴾ [الروم : ٥٠].
ثم قال ﴿أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ﴾ والمعنى أفلا يؤمنون بأن يتدبروا هذه الأدلة فيعملوا بها ويتركوا طريقة الشرك.
قوله :﴿وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ﴾ الرواسي الجبال، والراسي : هو الداخل في الأرض.
قوله :" أنْ تَمِيدَ " مفعول من أجله، أي : أن لا تميد، فحذفت " لا " لفهم المعنى كما زيدت في ﴿لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ﴾ [الحديد : ٢٩]، أو كراهة أن تميد وقدره أبو البقاء فقال : مخافة أن تميد وفيه نظر، لأنا إن جعلنا المخافة مسندة إلى المخاطبين اختل شرط من شروط النصب في المفعول وهو اتحاد الفاعل.
وإن جعلناها مسندة لفاعل الجعل استحال ذلك، لأنه تعالى لا يسند إليه الخوف.
وقد يقال يختار أن يسند المخافة إلى المخاطبين، وقولكم يختل شرط من شروط النصب جوابه : أنه ليس بمنصوب بل مجرور بحرف الجر المقدر، وحذف حرف الجر مطرد مع أنَّ وأَنْ بشرطه.
٤٨٨
فصل قال ابن عباس : إن الأرض بسطت على الماء فكانت تكفأ بأهلها السفينة فأرساها الله بالجبال الثقال.
قوله :﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً﴾ وجهان : أحدهما : أنه (مفعول به) و " سُبُلاً " بدل منه.
والثاني : أنه منصوب على الحال من " سُبُلاً "، لأنه في الأصل صفة له فلما قدم انتصب كقوله : ٣٧١١ - لِمَيَّةَ مُوحِشاً طَلَلُ
يَلُوحُ كَأَنَّهُ خِلَلُ
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٤٨١
ويدل على ذلك مجيئه صفة في قوله تعالى ﴿لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً﴾ [نوح : ٢٠].
وقال الزمخشري : فإن قلت : في الفجاج معنى الوصف فما لها قدمت على السبل ولم تؤخر كقوله تعالى :﴿لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً﴾ [نوح : ٢٠]، قلت : لم تقدم وهي صفة، ولكن جعلت حالاً كقوله :
٣٧١٢ - لعزَّةَ مُوحِشاً طَلَلُ قَدِيمُ
٤٨٩