" وروى أبو هريرة قال : قال رسول الله - ﷺ - : بَيْنَمَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَاناً خَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ، فجعل أيّوب يَحْثى في ثوبه، فناداه ربُّه : يا أيوب ألم أكن أَغْنَيْتُكَ عَمَّا ترى ؟ قال : بلى يا رب، ولكن لا غنى عن بركتك " وروى الليث قال : أرسل مجاهد إلى عكرمة وسأله عن الآية فقال : قيل لأيوب إن أهلك لك في الآخرة فإن شئت عجلناهم لك في الدنيا وإن شئت كانوا لك في الآخرة وآتيناك مثلهم في الدنيا، فقال : يكونون لي في الآخرة وأوتي مثلهم في الدنيا فعلى هذا يكن معنى الآية " وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ " في الآخرة " وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ " في الدنيا.
وأراد بالأهل الأولاد.
فأما الذين أهلكوا فإنَّهم لم يردوا عليه في الدنيا.
قوله :" رَحْمَةً " فيها وجهان : أظهرهما : أنها مفعول من أجله.
والثاني : أنها مصدر لفعل مقدر، أي : رحمناه رحمةً.
و " مِنْ عِنْدِنَا " صِفَة لـ " رَحْمَةً ".
قوله :" وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ " أي : فعل به تلك الرحمة، وهي النعمة لكي يتفكروا فيه بالذكر، ويتعظون فيعتبرون.
وخص العابدين، لأنهم المنتفعون بذلك.
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٥٦٥
قوله تعالى :" وَإِسْمَاعِيلَ " يعني ابن إبراهيم، " وَإِدْرِيسَ " وهو اختوخ ﴿وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ﴾.
لما ذكر صبر أيوب أتبعه بذكر هؤلاء، فإنهم أيضاَ كانوا من الصابرين على الشدائد والمحن والعبادة.
أما إسماعيل فصبر على الانقياد للذبح، وصبر على المقام ببلد لا زرع فيه ولا ضرع ولا بناء، وصبر في بناء البيت فأكرمه الله وأخرج من صلبه خاتم النبيين.
وأما إدريس فتقدمت قصته في سورة مريم قال ابن عمر :" بعث إلى قومه داعياً إلى الله فأبوا فأهلكهم الله، ورفع إدريس السماء السابعة " وأما ذو الكفل قال الزجاج : الكفلُ في اللغة الكساء الذي يجعل على عجز البعير والكفل أيضاً :
٥٧٤
النصيب قال تعالى :﴿يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مَّنْهَا﴾ [النساء : ٨٥] أي : نصيب.
واختلفوا في تسميته بهذا الاسم، فقال الحسن : كان له ضعف عمل الأنبياء في زمانه، وضعف ثوابهم.
وقال ابن عباس : إن نبياً من أنبياء بي إسرائيل آتاه الله الملك والنبوة ثم أوحى الله إليه أني أريد قبض روحك، فاعرض الملك على بني إسرائيل، فمن تكفل لك أن يصلي بالليل لا يفتر ويصوم بالنهار ولا يفطر، ويقضي بين الناس ولا يغضب، فادفع ملكك إليه، ففعل ذلك فقام شاب فقال : أنا أتكفل لك بهذا.
وَوَفَى به، فشكر الله له ونبأه فسمي ذا الكفل.
وعلى هذا فالمراد بالكفل هنا الكفالة، لأنه تكفل بأمور فوفى بها.
وقال مجاهد : ما كبر اليسع - عليه السلام - قال : لو أني استخلفت رجلاً على الناس في حياتي حتى أنظر كيف يعمل فجمع الناس، فقال من يتقبل مني ثلاثاً أستخلفه : يصوم النهار، ويقوم الليل، ويقضي فلا يغضب، فقام رجل تزدريه العين فقال : أنا.
فرده ذلك اليوم، وقال مثلها في اليوم الآخر، فسكت الناس وقام ذلك الرجل، فقال : أنا.
فاستخلفه.
فأتاه إبليس في صورة شيخ حين أخذ مضجعه للقائلة، وكان لا ينام بالليل والنهار إلا تلك النومة.
فذق الباب فقال : من هذا ؟ فقال : شيخ كبير مظلوم، فقال : افتح الباب.
فقال : إنّ بيني وبين قومي خصومة، وإنهم ظلموني وفعلوا وفعلوا وجعل يطول حتى حضر الرواح، وذهبت القائلة.
فقال : إذا رحت فأتني آخذ حقك، فانطلق وراح، فكان في مجلسه ينظر هل يرى الشيخ، فلم يره، فلما كان الغد يقضي بين الناس ينظره فلا يراه، فلما رجع إلى القائلة أخذ مضجعه أتاه، فدق الباب، فقال من هذا ؟ فقال : الشيخ المظلوم، ففتح له، فقال : أقيل، فإذا قعدت فأتني، فقال : إنهم أخبث قوم إذا عرفوا أنك قاعد، قالوا : نحن نعطيك حقك، وإذا قمت جحدوني.
قال : فانطلق : فإذا رحت فأتني، فأتته القائلة، فراح فجعل ينظر ولا يراه، وشق عليه النعاس.
فقال للبواب في اليوم الثالث : قد غلب عليّ النعاس فلا تدع أحداً يقرب من هذا الباب حتى أنام، فجاء إبليس في تلك الساعة، فلم يأذن له الرجل فدخل في كُوَّة
٥٧٥