أسباط ونصفاً، وبقي سبطان ونصف، فأوحى الله إلى شعيا النبي أن اذهب إلى حزقيل الملك، وقل له حتى يوجه نبياً قوياً أميناً، فإني ألقي في قلوب أولئك حتى يرسلوا معه بني إسرائيل.
فقال الملك : ومن ترى ؟ وكان في مملكته خمسة من الأنبياء، فقال : يونس بن متى فإنه قوي أمين، فدعا الملك يونس وأمره أن يخرج، فقال يونس : هل أمرك الله بإخراجي ؟ قال : لا.
قال : هل سماني لك ؟ قال : لا.
قال : فها هنا هي المفاعلة التي تكون من واحد كالمسافرة والمعاقبة.
فمعنى قوله :" مُغَاضِباً " أي : غضبان.
وعن ابن عباس قال : أتى جبريل يونس فقال : انطلق إلى أهل نينوى فأنذرهم، قال : ألتمس دابة قال : الأمر أعجل من ذلك، فغضب، فانطلق إلى السفينة.
وقال وهب : إن يونس بن متى كان عبداً صالحاً، وكان في خلقه ضيق، فلما حمل عليه أثقال النبوة تَفسَّخَ تَحْتَهَا الرَّبع تحت الحمل الثقيل.
فقذفها من يده، وخرج هارباً منها، فلذلك أخرجه الله من أول العزم، فقال لنبيه محمد - عليه السلام - :﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف : ٣٥]، قال :﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾ [القلم : ٤٨].
قوله :﴿فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ أي : أن نقضي عليه بالعقوبة.
قال مجاهد وقتادة
٥٧٩
والضحاك والكلبي وهو رواية العوفي عن ابن عباس : يقال : قدّر الله شيئاً تقديراً، وقدر يقدر قدرً بمعنى واحد.
ومنه قوله :﴿نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ﴾ [الواقعة : ٦٠] في قراءة من خفّفها دليل هذا التأويل قراءة عمر بن عبد العزيز والزهري " فَظَنَّ أَن لَّن نُّقَْدِّرَ عَلَيْهِ " بالتشديد.
وقال عطاء وكثير من العلماء : معنا فظن أن لن نضيق عليه الحبس من قوله تعالى :﴿اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ﴾ [الرعد : ٢٦] أي : يضيق.
وقال ابن زيد : هو استفهام معناه أفظن أنه يعجز ربه فلا يقدر (عليه ؟ ) وعن الحسن قال : بلغني أنَّ يونس لما أصاب الذنب انطلق مغاضباً لربه، واستزله الشيطان حتى ظن أن لن نقدر عليه، وكان له سلف وعبادة، فأبى الله أن يجعله للشيطان، فقذفه في بطن الحوت، فمكث فيه أربعين من بين يوم وليلة.
وقال عطاء : سبعة أيام، وقيل : ثلاثة أيام.
وقيل : إن الحوت ذهب به مسيرة ستة آلاف سنة.
وقيل : بلغ به تخوم الأرض السابعة، فتاب إلى ربه في بطن الحوت، وراجع نفسه، فقال :﴿لاَّ إِلَـاهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ حين عصيتك، وما صنعت من شيء، فلم أعبد غيرك، فأخرجه الله من بطن الحوت برحمته.
فصل احتج القائلون بجواز الذنب على الأنبياء بهذه الآية من وجوه : أحدها : أن أكثر المفسرين على أنه ذهب يونس مغاضباً لربه، قيل : هذا قول ابن مسعود وابن عباس والحسن والشعبي وسعيد بن جبير ووهب، واختيار ابن قتيبة ومحمد بن جرير، وإذا كان كذلك فمغاضبة الله من أعظم الذنوب، ثم على تقدير أن هذه المغاضبة لم تكن مع الله بل كان مع ذلك الملك، أو مع القوم، فهو أيضاً محظور لقول الله تعالى :﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾ [القلم : ٤٨] وذلك يقتضي أن ذلك الفعل من يونس محظور.
٥٨٠