أي : واجباً.
وأيضاً فمن الاستعمال إطلاق أحد الضدين على الآخر، وهو مجاز مشهور قال تعالى :﴿وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا﴾ [الشورى : ٤٠] ومن ثم قال الحسن والسدي : لا يرجعون عن الشرك.
وقال قتادة : لا يرجعون إلى الدنيا.
التأويل الرابع : قال مسلم بن بحر : حرام ممتنع، وأنهم لا يرجعون، فيكون عدم رجوعهم واجباً، وإذا امتنع الانتفاء وجب الرجوع، فيكون المعنى : إن رجوعهم إلى الحياة في الدار الآخرة واجب، ويكون الغرض منه إبطال قول من ينكر البعث، وتحقيقه ما تقدم أنه لا كفران لسعي أحد وأنه - تعالى - مجازيه يوم القيامة.
وقول ابن عطية قريب من هذا فإنه قال : وَمُمْتَنِعٌ على الكفرة المهلكين أنهم لا يرجعون (بل هم راجعون) إلى عذاب الله وأليم عقابه، فتكون " لاَ " على بابها والحرام على بابه.
الوجه الثاني : أن الخبر محذوف، تقديره : وحرام توبتهم أو رجاء بعضهم، ويكون ﴿أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾ علة لما تقدم من معنى الجملة.
فيكون حينئذ في " لاَ " احتمالان : الاحتمال الأول : أن تكون زائدة، ولذلك قال أبو البقاء في هذا الوجه بعد تقديره الخبر المتقدم : إذ جعلت (لا) زائدة.
قلت : والمعنى عنده لأنهم يرجعون إلى الأخرة وجزائها.
الاحتمال الثاني : أن تكون غير زائدة بمعنى ممتنع توبتهم، أو رجاء بعثهم لأنهم لا يرجعون إلى الدنيا فيستدركوا فيها ما فاتهم من ذلك.
الوجه الثالث : أن يكون هذا المبتدأ لا خبر له لفظاً ولا تقديراً، وإنما وقع شيئاً
٥٩٥
يقوم مقام خبره من باب أقائم أخواك، قال أبو البقاء : والجيد أن يكون (أنهم) فاعلاً سد مسد الخبر.
وفي هذا نظر، لأنَّ ذلك يشترك فيه أن يعتمد الوصف على نفي أو استفهام وهنا لم يعتمد المبتدأ على شيء من ذلك اللهم إلا أن ينحو نحو الأخفش فإنه لا يشترط ذلك، وهو الظاهر، وحينئذ يكون في (لا) الوجهان المتقدمان من الزيادة وعدمها باختلاف معنيين، أي : امتنع رجوعهم إلى الدنيا أو عن شركهم، إذا قدرتها زائدة، أو امتنع عدم رجوعهم إلى عقاب الله في الآخرة، إذا قدرتها غير زائدة.
الوجه الثاني : من وجهي رفع " حَرَامٌ " : أنه حبر مبتدأ محذوف، فقدره بعضهم : الإقالة والتوبة حرام، وقدره أبو البقاء : أي : ذلك الذي ذكر من العمل الصالح حرام وقال الزمخشري : وحرام على قرية أهلكناها ذاك، وهو المذكور في الآية المتقدمة من العمل الصالح، والسعي المشكور غير المكفور، ثم علل فقيل : إنَّهم لا يرجعون عن الكفر، فيكف لا يمتنع ذلك.
وقرأ العامة " أَهْلَكْنَاهَا " بنون العظمة.
وقرأ أبو عبد الرحمن وقتادة " أَهْلَكْتُهَا " بتاء المتكلم.
ومن قرأ " حَرِمٌ " بفتح الحاء وكسر الراء وتنوين الميم فهو في قراءة صفة على فَعِل نحو حَذِر، وقال : ٣٧٣٥ - وَإِنْ أَتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مِسْأَلَةٍ
يَقُولُ لاَ غَائِبٌ مَالِي ولاَ حَرِمُ
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٥٩٣
٥٩٦
ومن قرأه فعلاً ماضياً فهو في قراءته مسند لـ " أن " وما في حيزها، ولا يخفى الكلام في (لا) بالنسبة إلى الزيادة وعدمها، فإن المعنى واضح مما تقدم.
وقرئ " إِنَّهُمْ " بالكسر على الاستئناف، وحينئذ فلا بُدَّ من تقدير مبتدأ يتم به الكلام تقديره : ذلك العمل الصالح حرام، وتقدم تحرير ذلك.
قوله تعالى :﴿حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ﴾ الآية.
تقدم الكلام على (حَتَّى) الداخلة على (إذا) مشبعاً.
وقال الزمخشري هنا : فإن قُلْت : بم تعلقت (حَتَّى) واقعة غاية له وأية الثلاث هي ؟ قلت : هي متعلقة بـ " حَرَام " وهي غاية له، لأن امتناع رجوعهم لا يزول حتى الشرط والجزاء أعني : إذا وما في حيزها.
وأبو البقاء نحا هذا النحو، فقال : و " حَتَّى " متعلقة في المعنى بـ " حَرَام ".
أي : يستمر الامتناع إلى هذا الوقت، ولا عمل لها في " إذَا ".
قال الحوفي : هي غاية، والعامل فيها ما دل عليه المعنى من تأسفهم على ما فرطوا فيه من الطاعة حين فاتهم الاستدراك.
وقال ابن عطية :" حَتَّى " متعلقة بقوله :" وَتَقَطَّعُوا "، ويحتمل على بعض التأويلات المتقدمة أن تتعلق بـ " يَرْجِعُونَ "، ويحتمل أن تكون حرف ابتداء، وهو الأظهر بسبب (إذا) لأنها تقتضي جواباً للمقصود ذكره.
قال أبو حيان : وكون (حَتَّى) متعلقة بـ " تَقَطَّعُوا " فيه من بعد حيث كثرة الفصل لكنه من حيث المعنى جَيِّد، وهو أنهم لا يزالون مختلفين على دين الحق إلى قرب مجيء الساعة، فإذا جاءت الساعة انقطع ذلك كله.
وتلخص في تعلق (حَتَّى) أوجه : أحدها : أنها متعلقة بـ " حَرَام ".
٥٩٧