قوله :﴿قُلْ إِنَّمَآ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَهُكُمْ إله وَاحِدٌ﴾ الآية.
لما أورد على الكافر الحجج في أن لا إله إلا سواه، وبين أنه أرسل رسوله رحمة للعالمين أتبع ذلك بما يكون إنذاراً في مجاهدتهم والإقدام عليهم فقال :" إِنَّمَآ يُوحَى إِلَيَّ " قوله :" أَنَّمَآ إِلَهُكُمْ " (أنَّ) وما في حيزها في محل رفع لقيامه مقام الفاعل إذ التقدير : إنما يوحي إليّ وحدانية إلهكم.
وقال الزمخشري :" إنّما " لقصر الحكم على شيء، أو لقصر الشيء على حكم كقولك : إنَّما زيد قائمم، وإِنَّما يقوم زيد، و ﴿أَنَّمَآ إِلَهُكُمْ إله وَاحِدٌ﴾ بمنزلة إنَّما زيد قائم، وفائدة اجتماعهما الجلالة على أنَّ الوحي لرسول الله - ﷺ - مقصور على استئثار الله بالوحدانية.
قال أبو حيَّان : أما ما ذكره في " إنَّما " أنها لقصر ما ذكر فهو مبني على أن " إنّما " للحصر، وقد قررنا أنها لا تكون للحصر، وأنّ " مَا " مع " إنَّ " كهي مع " كأن " ومع " لَعَلّ " فكما أنها لا تفيد الحصر في التشبيه، ولا الحصر في الترجي، فكذلك لا تفيده مع " إنَّ "، وأما جعله " أنَّما " المفتوحة الهمزة مثل المكسورتها يدل على القصر فلا نعلم الخلاف إلا في " إنَّما " بالكسر، وأما " أنَّما " بالفتح فحرف مصدري ينسبك منه مع ما بعده مصدر، فالجملة بعدخا ليست جملة مستقلة، ولو كانت " أنَّمَا " دالى على الحصر لزم أن يقال : أنه لم يوح إليَّ شيء إلا التوحيد، وذلك لا يصح الحصر فيه، إذ قد أوحي إليه أشياء غير التوحيد.
قال شهاب الدين : الحصر بحسب كل مقام على ما يناسبه، فقد يكون هذا المقام بقتضي الحصر في إيحاء الوحدانية لشيء جرى من إنكار الكفار وحدانيته تعالى، وأنَّ الله لم يوح إليه شيئاً، وهذا كما أجاب الناس عن هذا الإشكال
٦٢٣
الذي ذكره الشيخ في قوله :﴿إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ﴾ [النازعات : ٤٥] ﴿إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ﴾ [الكهف : ١١٠] ﴿أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ﴾ [الحديد : ٢٠] إلى غير ذلك، و " مَا " من قوله :﴿إِنَّمَآ يُوحَى﴾ يجوز فيها وجهان : أحدهما : أنْ تكون كافة.
وقد تقدم.
والثاني : أنْ تكون موصولة كهي في قوله :﴿إِنَّمَا صَنَعُواْ﴾ [طه : ٦٩]، ويكون الخبر هو الجملة من قوله ﴿أَنَّمَآ إِلَهُكُمْ إله وَاحِدٌ﴾ تقديره : أنّ الذي يوحى إليّ هو هذا الحكم.
قوله :﴿فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ استفهام معناه الأمر بمعنى : أسلموا، كقوله :﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ﴾ [المائدة : ٩١] أي : انتهوا.
قوله :﴿فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ آذَنتُكُمْ عَلَى سَوَآءٍ﴾ آذَنْتُكُمْ أعلمتكم، فالهمزة فيه للنقل، قال الزمخشري : آذن منقول من أذن : إذا علم، لكنه كثر استعماله في الجري مجرى الإنذار، ومنه قوله :﴿فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ﴾ [البقرة : ٢٧٩] وقول ابن حلزة :
٣٧٤٢ - آذَنْتَنَا بِبَيْنهَا أَسْمَاءُ
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٦٢٣
وقد تقدم تحقيق هذا في البقرة.
قوله :" عَلَى سَوَآءٍ " في محل نصب على الحال من الفاعل والمفعول معاً، أي :
٦٢٤
مستوين بما أعلمتكم به لم نطوه على أحد منهم.
فصل قال أبو مسلم : الإنذار على السواء الدعاء على الحرب مجاهرة كقوله :﴿فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَآءٍ﴾ [الأنفال : ٥٨] وفائدة ذلك أنه كان يجوز أن يقدر من أشرك أنّ ةحالهم مخالف لسائر حال الكفار في المجاهرة، فعرفهم بذلك أنهم كالكفار في ذلك.
وقيل : المعنى : فقد أعلمتكم ما هو الواجب عليكم من التوحيد وغيره على سواء في الإبلاغ والبيان، لأني بعثت معلماً، والغرض منه إزاحة العذر لئلا يقولوا ﴿رَبَّنَا لَوْلا اا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً﴾ [طه : ١٣٤] وقيل :(ليستوي في الإيمان).
وقيل :﴿آذَنتُكُمْ عَلَى سَوَآءٍ﴾ أي : على مهل أي : لا أعاجل بالحرب الذي آذنتكم، بل أمهل وأؤخر رجاء إسلامكم.
قوله :﴿وَإِنْ أَدْرِى ﴾ العامة على إرسال الياء ساكنة، إذ لا موجب لغير ذلك.
وروي عن ابن عباس أنه قرأ " وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ " " وَإنْ أَدْرِيَ لَعَلَّهُ فتْنَةُ " بفتح الياءين، وخرجت على التشبيه بياء الإضافة على أن ابن مجاهد أنكر هذه القراءة البتة.
وقال ابن جنيّ :
٦٢٥


الصفحة التالية
Icon