أحدهما : أن نبين قدرتنا.
والثاني : أن نقر في الأرحام من نقر حتى يولدوا وينشئوا ويبغلوا حد التكليف فأكلفهم، ويعضد هذه القراءة قوله :﴿ثُمَّ لِتَبْلُغُوا ااْ أَشُدَّكُمْ﴾.
قال شهاب الدين : تسميته مثل هذه الأفعال المسندة إلى الله تعالى غرضاً لا يجوز.
وقرأ ابن وثاب " نِشَاء " بكسر النون وهو كسر حرف المضارعة كما تقدم في قوله :" نسْتَعِينُ ".
والمراد بالأجل المسمى يعني نقر في الأرحام ما نشاء فلا نمحه ولا نسقطه إلى أجل مسمى وهو حد الولادة، وهو آخر ستة أشهر أو تسعة أشهر أو أربع سنين كما شاء وقدر تام الخلق والمدة.
قوله :﴿ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً﴾ أي : تخرجون من بطون أمهاتكم، " طِفْلاً " حال من مفعول " نُخْرِجُكُم "، وإنما وحِّدَ، لأنه في الأصل مصدر كالرضا والعدل، فيلزم الإفراد والتذكير، قاله المبرد، وإما لأنه مراد به الجنس، ولأنه العرب تذكر الجمع باسم الواحد قال تعالى :﴿وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾ [التحريم : ٤] وإما لأن المعنى نخرج كل واحد منكم، نحو : القوم يشبعهم رغيف، أي : كل واحد منهم.
وقد يطابق به ما يراد به فيقال : طفلان وأطفال، وفي الحديث :" سُئِلَ عَنْ أَطْفَالِ المُشْرِكِينَ ".
والطفل يطلق على الولد من حين الانفصال إلى البلوغ.
وأما الطفل - بالفتح - فهو الناعم، والمرأة طفلة، قال :
٢١
٣٧٤٦ - وَلَقَدْ لَهَوْتُ بِطَفْلَةٍ ميَّالةٍ
بَلْهَاءَ تُطْلِعُنِي عَلَى أَسْرَارِهَا
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ١٦
وقال : ٣٧٤٧ - أَحْبَبْتُ فِي الطَّفْلَةِ القُبَلاَ
لاَ كَثِيراً يُشْبِه الحولا
أما الطَّفَل : بفتح الفاء والطاء - فوقت (ما بعد العصر، من قولهم : طفلت الشمس : إذا مالت للغروب، وأطفلت المرأة أي صارت ذات طفل).
قوله :﴿ثُمَّ لِتَبْلُغُوا ااْ أَشُدَّكُمْ﴾ الأَشُدُّ : كمال القوة والعقل، وهو من ألفاظ الجموع التي لا واحد لها، فبنيت لذلك على لفظ الجمع، والمعنى : أنه سهل في تربيتكم وأغذيتكم أموراً كثيراً إلى بلوغ أشدكم، فنبه بذلك على الأحوال التي بين خروج الطفل من بطن أمه وبين بلوغ الأشد، لأن بين الحالتين وسائط.
قوله :﴿وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّى ﴾ العامة على ضم الياء من " يُتَوَفَّى " وقرأت فرقة " يَتَوفَّى " بفتح الياء، وفيه تخريجان : أحدهما : أن الفاعل ضمير الباري تعالى، أي : يتوفاه الله تعالى.
كذا قدره الزمخشري.
الثاني : أن الفاعل ضمير " من " أي : يتوفى أجله وهذه القراءة كالتي في البقرة ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ﴾ [البقرة : ٢٣٤] أي : مدتهم.
ومعنى الآية :﴿وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّى ﴾ على قوته وكماله، ﴿وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ﴾ وهو الهرم والخوف فيصير كما كان في أوان الطفولية ضعيف البنية سخيف العقل قليل الفهم.
وروي عن أبي عمرو ونافع
٢٢
أنهما قرآ " العُمْر " بسكون الميم وهو تخفيف قياسي نحو عُنْق في عُنُق.
قوله :" لِكَيْلاَ يَعْلَم " هذا الجار يتعلق بـ " يرد " وتقدم نظيره في النحل والمعنى يبلغ من السن ما يغير عقله فلا يعقل شيئاً.
فإن قيل : إنه يعلم بعض الأشياء كالطفل فالجواب : المراد أنه يزول عقله فيصير كأنه لا يعلم شيئاً.
لأن مثل ذلك قد يذكر في النفي مبالغة.
ومن الناس من قال هذه الحال لا تحصل للمؤمنين لقوله تعالى :﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ [التين : ٥ - ٦] وهو ضعيف، لأن معنى قوله " ثُمَّ رَدَدْنَاهُ " دلالة على الذم، فالمراد ما يجري مجرى العقوبة، ولذلك قال ﴿إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ [التين : ٦] وهذا تمامِ الاستدلال بخلقة الحيوان.
وأما الاستدلال بخلقة النبات فهو قوله تعالى :﴿وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً﴾ فنصب " هَامِدَةً " على الحال، لأن الرؤية بصرية.
والهمود : الخشوع والسكون، وهمدت الأرض : يبست ودرست، وهمد الثوب : بلي، قال الأعشى : ٣٧٤٨ - فَالَتْ قُتَيْلَة مَا لجِسْمِكَ شَاحِباً
وَأَرَى ثِيَابَكَ بَاليَاتٍ هُمَّدَا
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ١٦
والاهتزاز التحرك، وتجوز به هنا عن إنبات الأرض نباتها بالماء.
والجمهور على " رَبَتْ " أي : زادت من ربا يربو.
وقرأ أبو جعفر وعبد الله بن جعفر وأبو
٢٣
عمرو في رواية " وربأت " بالهمز أي ارتفعت.
يقال : ربأ بنفسه عن كذا، أي : ارتفع عنه، ومنه الربيئة، وهو من يطلع على موضع عال لينظر للقوم ما يأتيهم، وهو عين القوم، ويقال له : ربيء أيضاً قال الشاعر : ٣٧٤٩ - بَعَثْنَا رَبيْئاً قَبْلَ ذَلِكَ مُخْملا
كَذِئْبِ الغَضَا يَمْشِي الضّراءَ وَيَتَّقِي