قوله :" لَمَنْ ضَرُّهُ " كلاماً مستأنفاً، فتكون اللام للابتداء، و " مَنْ " موصولة، و " ضَرُّهُ " مبتدأ، و " أقرب " خبره، والجملة صلة، و " لَبِئْسَ " جواب قسم مقدر، وهذا القسم المقدر وجوابه خبر للمبتدأ الذي هو الموصول.
الثاني : أن يجعل " ذلك " موصولاً بمعنى الذي، و " هو " مبتدأ، و " الضلال " خبره، والجملة صلة له، وهذا الموصول مع صلته في محل نصب مفعولاً بـ " يَدْعُو "، أي : يَدْعُو الذي هو الضلال وهذا منقول عن أبي علي الفارسي.
وليس هذا ماش على رأي البصريين إذ لا يكون عندهم من أسماء الإشارة موصول إلا " ذا " بشروط تقدم ذكرها.
(وأما الكوفيون فيجيزون في أسماء الإشارة مطلقاً) أن تكون موصولة، وعلى هذا فيكون ﴿لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ﴾ مستأنفاً على ما تقدم.
الثالث : أن يجعل " ذَلِكَ " مبتدأ و " هُوَ " جوزوا فيه أن يكون بدلاً أو فصلاً أو مبتدأ، و " الضلال " خبر " ذَلِكَ " أو خبر " هُوَ " على حسب الخلاف في " هُوَ " و " يَدْعُو " حال، والعائد منه محذوف تقديره : يدعوه وقدروا هذا الفعل الواقع موقع الحال بـ " مدعوًّا).
قال أبو البقاء : وهو ضعيف، ولم يبين وجه ضعفه.
وكأن وجهه أن " يدعو " مبني للفاعل فلا يناسب أن يقدر الحال الواقعة موقعه اسم مفعول بل المناسب أن يقدر اسم فاعل، فكان ينبغي أن يقدروه داعياً، ولو كان التركيب يدعى مبنياً للمفعول لحسن تقديرهم : مدعو، ألا ترى أنك إذا قلت : جاء زيد
٣٥
يضرب، كيف يقدرونه بضارب لا بمضروب.
فصل اختلفوا في المراد بقوله :﴿يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ﴾.
قيل : المراد رؤساؤهم الذين كانوا يفزعون إليهم، لأنه يصح منهم أن يضروا، ويؤيد هذا أن الله تعالى بين في الآية الأولى أن الأوثان لا تضرهم ولا تنفعهم، وهذ الآية تقتضي كون المذكور فيها ضاراً نافعاً، فلو كان المذكور في هذه الآية هو الأوثان لزم التناقض.
وقيل المراد الأوثان، ثم أجابوا عن التناقض بوجوه : أحدها : أنها لا تضر ولا تنفع بأنفسها، ولكن عبادتها سبب الضرر، وذلك يكفي في إضافة الضرر إليها كقوله تعالى :﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ﴾ [إبراهيم : ٣٦] فأضاف الإضلال إليهم من حيث كانوا سبباً للضلال، فكذلك هنا نفى الضرر عنهم في الآية الأولى، بمعنى كونها فاعلة، وأضاف الضرر إليهم في هذه الآية بمعنى أن عبادتها سبب الضرر.
وثانيها : كأنه سبحانه بيَّن في الآية الأولى أنها في الحقيقة لا تضر ولا تنفع ثم قال في الآية الثانية : ولو سلمنا كونها ضارة نافعة لكان ضرها أكثر من نفعها.
وثالثها : أن الكفار إذا أنصفوا علموا أنه لا يحصل منها لا نفع ولا ضرر في الدنيا، ثم إنهم في الآخرة يشاهدون العذاب العظيم بسبب عبادتها، فكأنهم يقولون لها في الآخرة إن ضركم أعظم من نفعكم.
قوله :﴿لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ﴾ المولى هو الناصر، والعشير الصاحب والمعاشر.
والمخصوص بالذم محذوف تقديره : لبئس المولى ولبئس العشير ذلك المدعو.
واعلم أن هذا الوصف بالرؤساء أليق، لأنه لا يكاد يستعمل في الأوثان، فبين تعالى أنهم يعدلون عن عبادة الله الذي هو خير الدنيا والآخرة إلى عبادة الأصنام وإلى طاعة الرؤساء بقوله تعالى :﴿لَبِئْسَ الْمَوْلَى ﴾ والمراد ذم ما انتصروا بهم.
٣٦
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٢٩