قوله :" يُصَبُّ " هذه الجملة تحتمل أن تكون خبراً ثانياً للموصول، وأن تكون حالاً من الضمير في " لَهُمْ "، وأن تكون مستأنفة.
والحميم الماء الحار الذي انتهت حرارته، قال ابن عباس : لو قطرت منه قطرة على جبال الدنيا لأذابتها.
قوله :" يُصْهَر " جملة حالية من الحميم، والصهر الإذابة، يقال : صَهَرْتُ الشحم، أي : أذبته، والصهارة الألية المذابة، وصهرته الشمس : أذابته بحرارتها، قال :
٣٧٥٣ - تَصْهَرُه الشَّمْسُ وَلاَ يَنْصَهِر
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٤٦
وسمي الصِّهْرُ صِهْراً لامتزاجه بأصهاره تخيلاً لشدة المخالطة.
وقرأ الحسن في آخرين " يُصَهِّر " بفتح الصاد وتشديد الهاء مبالغة وتكثيراً لذلك، والمعنى : أن الحميم الذي يصب من فوق رؤوسهم يذيب ما في بطونهم من الشحوم والأحشاء.
قوله :" والجُلُود " فيه وجهان : أظهرهما : عطفه على " ما " الموصولة، أي : يذيب الذي في بطونهم من الأمعاء، ويذاب أيضاً الجلود، أي يذاب ظاهرهم وباطنهم.
والثاني : أنه مرفوع بفعل مقدر أي : يحرق الجلود.
قالوا : لأن الجلد لا يذاب إنما ينقبض وينكمش إذا صلي بالنار، وهو في التقدير كقوله :
٣٧٥٤ - عَلَفْتُهَا تِبْناً (وَمَاءً بَارِداً)
٤٩
٣٧٥٥ - وَزَجَّجْنَ الحَوَاجِبَ والعُيُونَا
﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ﴾ [الحشر : ٩] فإنه على تقدير : وسقيتها ماء، وكحلن العيون، واعتقدوا الإيمان.
قوله :" وَلَهُمْ مَقَامِعُ " يجوز في هذا الضمير وجهان : أظهرهما : أنه يعود على " الذين كفروا "، وفي اللام حينئذ قولان : أحدهما : أنها للاستحقاق.
والثاني : أنها بمعنى (على) كقوله :" وَلَهُمُ اللَّعْنَة " وليس بشيء.
والوجه الثاني : أن الضمير يعود على الزبانية أعوان جهنم، ودل عليهم سياق الكلام، وفيه بعد.
" مِنْ حَدِيد " صفة لـ " مَقَامِعُ "، وهي مِقْمَعَة بكسر الميم، لأنها آلة القمع، يقال : قمعه يقمعه : إذا ضربه بشيء يزجره به، ويذله، والمقمعة : المطرقة، وقيل : السوط، أي : سياط من حديد، وفي الحديث " لَوْ وُضِعَتْ مِقْمَعَةٌ مِنْهَا في الأَرْضِ فَاجْتَمَعَ عَلَيْهَا الثَّقَلاَنِ (مَا أَقَلّوهَا) ".
قوله :" كُلَّمَا أَرَادُوا ".
" كُلّ " نصب على الظرف، وتقدم الكلام في تحقيقها في البقرة، والعامل فيها هنا قوله :" أُعِيدُوا ".
و " مِنْ غَمٍّ " فيه وجهان : أظهرهما : أنه بدل من الضمير في " منها " بإعادة العمل بدل اشتمال كقوله :
٥٠
﴿لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَـانِ لِبُيُوتِهِمْ﴾ [الزخرف : ٣٣]، ولكن لا بد في بدل الاشتمال من رابط، فقالوا : هو مقدر تقديره : من غمها.
والثاني : أنه مفعول له، ولما نقص شرط من شروط النصب جر بحرف السبب.
وذلك الشرط هو عدم اتحاد الفاعل، فإن فاعل الخروج غير فاعل الغم، فإن الغم من النار والخروج من الكفار.
واعلم أن الإعادة لا تكون إلا بعد الخروج، والمعنى : كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم فخرجوا أعيدوا فيها.
ومعنى الخروج ما يروى عن الحسن : أن النار تضربهم بلهبها فترفعهم حتى إذا كانوا في أعلاها ضُرِبُوا بالمقامع فهووا فيها سبعين خريفاً.
قوله :" وَذُوقُوا " منصوب بقول مقدر معطوف على " أُعِيدُوا " أي : وقيل لهم :﴿ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾، أي : المُحْرِق مثل الأليم والوجيع.
قال الزجاج : هو لأحد الخصمين، وقال في الخصم الآخر وهم المؤمنون :﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾.
قوله :" يُحَلَّوْنَ " العامة على ضم الياء وفتح اللام مشددة من حلاه يُحَلِّيه إذا ألبسه الحليّ.
وقرئ بسكون الحاء وفتح اللام مخففة، وهو بمعنى الأول كأنهم عدوه تارة بالتضعيف وتارة بالهمزة.
قال أبو البقاء : من قولك : أُحْلي أي : أُلبس الحلي هو بمعنى المشدد.
وقرأ ابن عباس بفتح الياء وسكون الحاء وفتح اللام مخففة، وفيها ثلاثة أوجه : أحدها : أنه من حَلِيَت المرأة تَحْلَى فهي حال، وكذلك حَلِيَ الرجل فهو حال، إذا لبسا الحلي (أو صارا ذوي حليّ).
٥١


الصفحة التالية
Icon