وهذا مذهب ابن عمر وعمر بن عبد العزيز وأبي حنفية وإسحاق الحنظلي.
وقال عبد الرحمن بن سابط : كان الحجاج إذا قدموا مكة لم يكن أحد من أهل مكة أحق بمنزله منهم.
وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ينهى الناس أن يغلقوا أبوابهم في الموسم وعلى هذا فالمراد بـ " المَسْجِدِ الحَرَامِ " الحرم كله ؛ لأن إطلاق لفظ المسجد الحرام وإرادة البلد الحرام جائز لقوله تعالى ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [الإسراء : ١].
وأيضاً فقوله :" العَاكِفُ " المراد منه المقيم، وإقامته لا تكون في المسجد بل في المنازل.
وقيل :﴿سَوَآءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ في تعظيم حرمته وقضاء النسك به وإليه ذهب مجاهد والحسن وجماعة، أي ليس للمقيم أن يمنع البادي وبالعكس، قال عليه السلام :" يا بَنِي عَبْدِ المُطَّلب من وُلِّي منكم من أمور الناس شيئاً فلا يمنعن أحداً طاف بهذا البيت أو صَلّى أية ساعة من ليل أو نهار " وهذا قول من أجاز بيع دور مكة.
وقد جرت مناظرة بين الشافعي وإسحاق الحنظلي بمكة وكان إسحاق لا يرخِّص في كراء بيوت مكة، فاحتج الشافعي بقوله تعالى :﴿الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم﴾ [الحج : ٤٠].
فأضاف الديار إلى مالكيها أو إلى غير مالكيها.
وقال عليه السلام يوم فتح مكة :" من أغلق بابه فهو آمن "، وقوله عليه السلام :" هل ترك لنا عقيل من رباع " وقد اشترى عمر بن الخطاب دار السجن، أترى أنه اشتراها من مالكيها أو من غير مالكيها.
٦١
قال إسحاق : فلما علمت أن الحجة لزمتني تركت قولي.
والقول بجواز بيع دور مكة وإجارتها قول طاوس وعمرو بن دينار وبه قال الشافعي.
قوله :﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ﴾ فيه أربعة أوجه : أحدها : أن مفعول " يُرِدْ " محذوف، وقوله :" بإلحَادٍ بظُلمٍ " حالان مترادفان، والتقدير : ومن يرد فيه مراداً ما عادلاً عن القصد ظالماً نذقه من عذاب إليم.
وإنما حذف ليتناول كل متناول، قال معناه الزمخشري.
والثاني : أنّ المفعول أيضاً محذوف تقديره : ومن يرد فيه تَعَدِّيا، و " بإلحاد " حال، أي : ملتبساً بإلحاد، و " بِظُلْمٍ " بدل بإعادة الجار.
الثالث : أن يكون " بظلم " متعلقاً بـ " يُرِدْ " والباء للسببية، أي : بسبب الظلم و " بإلحَادٍ " مفعول به، والباء مزيدة فيه كقوله :﴿وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ﴾ [البقرة : ١٩٥].
٣٧٥٦ - لاَ يَقْرَأْنَ بِالسُّوَرِ
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٥٦
وإليه ذهب أبو عبيدة، وأنشد للأعشى :
٣٧٥٧ - ضَمِنَتْ بِرِزْقِ عِيالنَا أَرْمَاحُنَا
٦٢
أي : ضمنت رزق.
ويؤيده قراءة الحسن :﴿وَمَنْ يُرِدْ إلحَادَهُ بِظُلْمٍ﴾.
قال الزمخشري : أراد إلحاده فيه، فأضافه على الاتساع في الظرف كـ " مَكْرُ اللَّيْلِ " ومعناه : ومن يرد أن يلحد فيه ظالماً.
الرابع : أن تضمن " يُرِدْ " معنى يلتبس فذلك تعدى بالباء، أي : ومن يلتبس بإلحاد مريداً له.
والعامة على " يُرِد " بضم الياء من الإرادة.
وحكى الكسائي والفراء أنه قرئ " يَرد " بفتح الياء، قال الزمخشري : من الورود ومعناه : من أتى فيه بإلحاد ظالماً.
فصل الإلحاد : العدول عن القصد، وأصله إلحاد الحافر.
واختلف المفسرون فيه، فقيل : إنه الشرك، أي مَن لجأ إلى الحرم ليشرك به عَذّبه الله، وهو إحدى الروايات عن ابن عباس، وهو قول مجاهد وقتادة.
وروي عن ابن عباس هو أن تقتل فيه من لا يقتلك أو تظلم من لا يظلمك.
وروي عن ابن عباس أنها نزلت في عبد الله بن سعد حيث استسلمه النبي - ﷺ - فارتد مشركاً، وفي قيس بن (ضبابة).
وقال مقاتل : نزلت في عبد الله بن خطل حيث قتل الأنصاريّ وهرب إلى مكة كافراً، فأمر النبي - ﷺ - بقتله يوم الفتح.
وقال مجاهد : تضاعَفُ السيئات بمكة كما تضاعف الحسنات.
٦٣
وعن سعيد بن جبير وحبيب بن أبي ثابت : هو احتكار الطعام بمكة.
وعن عطاء هو قول الرجل في المبايعة : لا والله وبلى والله.
وعن عبد الله بن عمر : أنه كان له فسطاطان أحدهما في الحل والآخر في الحرم، فإذا أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الحل، فقيل له في ذلك فقال : كنا نُحدث أن من الإلحاد فيه أن يقول الرجل كلا والله، وبلى والله.
وعن عطاء : هو دخول الحرم غير محرم وارتكاب شيء من محظورات الإحرام من قتل صيد أو قطع شجر.
ولما كان الإلحاد بمعنى الميل من أمر إلى أمر بيَّن تعالى أن المراد بهذا الإلحاد ما يكون ميلاً إلى الظلم فلهذا قرن الظلم بالإلحاد ؛ لأنه لا معصية كبرت أم صغرت إلا وهو ظلم، ولذلك قال تعالى ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان : ١٣].
وقوله :﴿نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ بيان للوعيد.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٥٦