الأعماق هنا بفتح الهمزة جمع عُمْق وعلى هذا فلا قلب في معيق، لأنها لغة مستقلة، وهو ظاهر قول الليث أيضاً، ويؤيده قراءة ابن مسعود بتقديم الميم، ويقال : غميق بالغين المعجمة أيضاً.
فصل بدأ الله بذكر المشاة تشريفاً لهم، وروى سعيد بن جبير بإسناده عن النبي - ﷺ - أنه قال :" إن الحاج الراكب له بكل خطوة تخطوها راحلته سبعون حسنة وللماشي سبعمائة حسنة من حسنات الحرم، قيل : يا رسول الله وما حسنات الحرم ؟ قال : الحسنة بمائة ألف حسنة ".
وإنما قال تعالى :" يَأْتُوكَ رِجَالاً " ؛ لأنه هو المنادي فمن أتى مكة حاجّاً فكأنه أتى إبراهيم - عليه السلام -، لأنه يجيب نداءه.
قوله :" لِيَشْهَدُوا " يجوز في هذه اللام وجهان : أحدهما : أن تتعلق بـ " أَذِّنْ "، أي : أذن ليشهدوا.
والثاني : أنها متعلقة بـ " يَأْتُوكَ ".
وهو الأظهر.
قال الزمخشري : ونكر " مَنَافِعَ " لأنه أراد منافع مختصة بهذه العبادة دينية ودنيوية لا توجد في غيرها من العبادات.
قل سعيد بن المسيب ومحمد بن علي الباقر :
٧٤
المنافع : هي العفو والمغفرة وقال سعيد بن جبير : التجارة، وهي رواية ابن زيد.
وعن ابن عباس قال : الأسواق.
وقال مجاهد : التجارة وما يرضى الله به من أمر الدنيا والآخرة.
﴿وَيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ فِى أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ﴾ قال الأكثرون : هي عشر ذي الحجة قيل لها " مَعْلُومَات " للحرص على علمها بحسابها من أجل وقت الحج في آخرها.
والمعدودات : أيام التشريق.
وروي عن علي : أنها يوم النحر وثلاثة أيام بعده، وهو اختيار الزجاج.
لأن الذكر على " بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ " يدل على التسمية على نحرها.
والنحر للهدايا إنما يكون في هذه الأيام.
وروى عطاء عن ابن عباس : أنها يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق.
وقيل : عبر عن الذبح والنحر بذكر اسم الله ؛ لأن المسلمين لا ينفكون عن ذكر اسم الله إذا نحروا.
ثم قال :﴿عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ﴾ يعني الهدايا والضحايا تكون من النعم، وهي الإبل والبقرة والغنم.
قال الزمخشري : البهيمة المبهمة في كل ذات أربع في البر والبحر، فبينت بالأنعام وهي : الإبل والبقر والغنم.
قوله :" فَكُلُوا مِنْهَا ".
قيل : هذا أمر وجوب، لأن أهل الجاهلية كانوا لا يأكلون من لحوم هداياهم شيئاً تَرَفُّقاً على الفقراء.
وقيل : هذا أمر إباحة.
واتفق العلماء على أن الهدي إذا كان تطوعاً كان للمُهْدِي أن يأكل منه، وكذلك أضحية التطوع ؛ لأن النبي - ﷺ - أمر أن يؤخذ من كل جزور بضعه، فطبخت، وأكل لحمها، وحسي من مرقها، وكان هذا تطوعاً.
واختلفوا في الهدي الواجب في النذور والكفارات والجبرانات للنقصان مثل دم القران ودم التمتع ودم الإساءة ودم التقليم والحلق، والواجب بإفساد الحج وفواته وجزاء الصيد.
فقال الشافعي وأحمد : لا يأكل منه.
وقال ابن عمر : لا
٧٥
يأكل من جزاء الصيد والنذور، ويأكل مما سواهما.
وقال مالك : يأكل من هدي التمتع، ومن كل هدي وجب عليه إلا من فدية الأذى وجزاء الصيد والمنذور.
وعند أصحاب الرأي : يأكل من دم التمتع والقران ولا يأكل من واجب سواهما.
قوله :﴿وَأَطْعِمُواْ الْبَآئِسَ الْفَقِيرَ﴾.
يعني الزمن الفقير الذي لا شيء له.
قال ابن عباس : البائس الذي ظهر بؤسه في ثيابه وفي وجهه، والفقير الذي لا يكون كذلك فتكون ثيابه نقية ووجهه وجه غني.
والبؤس شدة الفقر.
قوله :﴿ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ﴾.
العامة على كسر اللام، وهي لام الأمر.
وقرأ نافع والكوفيون والبزي بسكونها، إجراء للمنفصل مجرى المتصل نحو كتف، وهو نظير تسكين هاء (هو) بعد (ثُمَّ) في قراءة الكسائي وقالون حيث أجريت (ثُمَّ) مجرى الواو والفاء والتَّفَث : قيل أصله من التف.
وهو وسخ الأظفار قلبت الفاء ثاء كمعثور في معفور.
وقيل : هو الوسخ والقذر يقال : ما تفثك.
وحكى قطرب : تفث الرجل، أي : كثر وسخه في سفره.
قال الزجاج : إن أهل اللغة لا يعرفون التّفَث إلا من التفسير.
وقال المبرد : أصل التفث في كلام العرب كل قاذورة تلحق الإنسان فيجب عليه نقضها.
وقال القفال : قال نفطويه : سألت أعرابياً فصيحاً ما
٧٦