وهي حال مؤكدة إذ يلزم من كونهم " حنفاء " عدم الإشراك أي مخلصين له، أي تمسكوا بالأوامر والنواهي على وجه العبادة لله وحده لا على وجه إشراك غير الله به، فلذلك قال ﴿غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ﴾.
ثم قال :﴿وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَآءِ﴾ أي : سقط من السماء إلى الأرض.
قوله :" فَتَخْطَفُهُ ".
قرأ نافع بفتح الخاء والطاء مشددة، وأصلها تختطفه فأدغم.
وباقي السبعة " فتَخْطَفُه " بسكون الخاء وتخفيف الطاء.
وقرأ الحسن والأعمش وأبو رجاء بكسر التاء والخاء والطاء مع التشديد.
وروي عن الحسن أيضاً بفتح الطاء مشددة مع كسر التاء والخاء.
وروي عن الأعمش كقراءة العامة إلا أنه بغير فاء " تخطفه " وتوجيه هذه القراءات قد تقدم في أوائل البقرة عند قوله :﴿يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ﴾ [البقرة : ٢٠].
وقرأ أبو جعفر " الرياح " جمعاً.
وقوله :" خَرّ " في معنى (تخر)، ولذلك عطف عليه المستقبل وهو " فتَخْطَفُه ".
ويجوز أن يكون على بابه ولا يكون " فَتَخْطَفُهُ " عطفاً عليه بل هو خبر مبتدأ مضمر أي : فهو تخطفه.
قال الزمخشري : يجوز في هذا التشبيه أن يكون من المركب والمفرق فإن كان تشبيهاً مركباً، فكأنه قال : من أشرك بالله فقد أهلك نفسه إهلاكاً ليس وراءه إهلاك بأن صور حاله بصورة حال مَنْ خَرّ من السماء فاختطفته
٨٣
الطير فتفرق مُزَعاً في حواصلها، أو عصفت به الرياح حتى هوت به في بعض المطاوح البعيدة.
وإن كان مفرقاً فقد شبه الإيمان في علوّه بالسماء، والذي ترك الإيمان وأشرك بالله بالساقط من السماء والأهواء التي تتوزع أفكاره بالطير المختطفة، والشيطان الذي يطوح به في وادي الضلال بالريح التي تهوي بما عصفت به في بعض المهاوي المتلفة.
والسحيق البعيد، ومنه : سَحَقَهُ الله، أي : أبعده، ومنه قول عليه السلام :" سُحْقاً سُحْقاً " أي بُعْداً بُعْداً.
والنخلة السحوق الممتدة في السماء من ذلك.
قوله تعالى :﴿ذالِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ الآية.
إعراب " ذَلِك " كإعراب " ذَلِكَ " المتقدم وتقدم تفسير الشعيرة واشتقاقها في المائدة.
والمعنى : ذلك الذي ذكرت من اجتناب الرجس، وقول الزور، وتعظيم شعائر الله من تقوى القلوب.
قال ابن عباس : شعائر الله البُدْن والهدايا.
وأصلها من الإشعار وهو إعلامها لتعرف أنها هَدْي، وتعظيمها استحسانها واستسمانها.
وقيل : شعائر الله أعلام دينه.
وقيل : مناسك الحج.
٨٤
قوله :﴿فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾.
أي : فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب، فحذفت هذه المضافات، ولا يستقيم المعنى إلا بتقديرها، لأنه لا بد من راجع من الجزاء إلى (من) ليرتبط به، وإنما ذكرت القلوب، لأن المنافق قد يظهر التقوى من نفسه وقلبه خال عنها، فلهذا لا يكون مجدّاً في الطاعات، وأما المخلص الذي تمكنت التقوى من قلبه فإنه يبالغ في أداء الطاعات على سبيل الإخلاص.
واعلم أن الضمير في قوله :﴿فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ فيه وجهان : أحدهما : أنه ضمير الشعائر على حذف مضافه، أي : فإن تعظيمها من تقوى القلوب.
والثاني : أنه ضمير المصدر المفهوم من الفعل قبله، أي : فإن التعظيم من تقوى القلوب والعائد على اسم الشرط من هذه الجملة الجزائية مقدر تقديره : فإنها من تقوى القلوب منهم.
ومن جوَّز إقامة (أل) مقام الضمير - وهم الكوفيون -، أجاز ذلك هنا، والتقدير : من تقوى قلوبهم كقوله :﴿فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات : ٤١].
والعامة على خفض " القلوب "، وقرئ برفعها، فاعلة للمصدر قبلها وهو " تقوى ".
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٧٨
قوله :﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ﴾ أي : في الشعائر بمعنى الشرائع، أي : لكم في التمسك
٨٥


الصفحة التالية
Icon