إِذَا ما اعْتَرَانِي بَيْنَ قِدْرِي وَمَجزَرِي
وقرأ أبو رجاء :" القَنِعَ " دون ألف، وفيها وجهان : أحدهما : أن أصلها القانع فحذف الألف كما قالوا : مِقْوَل، ومِخْيَط وجَنَدِل وعُلَبِط في مِقْوَال، ومِخْيَاط، وجَنَادِل، وعُلاَبِط.
والثاني : أن القانع هو الراضي باليسير، والقَنِع السائل كما تقدم تقريره.
قال الزمخشري : والقنع الراضي لا غير.
وقرأ الحسن :" والمُعْتَرِي " اسم فاعل من اعْتَرَى يَعْتَرِي وقرأ إسماعيل ويروى عن أبي رجاء والحسن أيضاً " والمُعْتَرِ " بكسر الراء اجتزاء بالكسر عن لام الكلمة.
وقرئ " المُعْتَرِي " بفتح التاء، قال أبو البقاء : وهو في معناه أي : في معنى " المُعْتَر " في قراءة العامة.
قال بعضهم : والأقرب أن
٩٦
القانع هو الراضي بما يدفع إليه من غير سؤال وإلحاح، والمعتر : هو الذي يعترض ويطالب ويعتريهم حالاً بعد حال فيفعل ما يدل على أنه لا يقنع بما يدفع إليه أبداً.
وقال ابن زيد : القانع المسكين، والمعتر الذي ليس بمسكين، ولا يكون له ذبيحة، ويجيء إلى القوم فيتعرض لهم لأجل لحمهم.
قوله :" كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا ".
الكاف نعت مصدر أو حال من ذلك المصدر، أي مثل وصفنا ما وصفنا من نحرها قياماً سخرناها لكم نعمة منا لتتمكنوا من نحرها.
" لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون " لكي تشكروا إنعام الله عليكم.
قوله :﴿لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا﴾ العامة على القراءة بياء الغيبة في الفعلين، لأن التأنيث مجازي، وقد وجد الفصل بينهما.
وقرأ يعقوب بالتاء فيهما اعتباراً باللفظ.
وقرأ زيد بن عليّ ﴿لُحُومَهَا وَلاَ دِمَاءَها﴾ بالنصب والجلالة بالرفع، " وَلكِنْ يُنَالُهُ " بضم الياء على أن القائم مقام الفاعل " التَّقْوَى ".
و " مِنْكُم " حال من التقوى، ويجوز أن يتعلق بنفس " يناله ".
فصل لما كانت عادة الجاهلية إذا نحروا البدن لطخوا الكعبة بدمائها قربة إلى الله عزَّ وجلَّ فأنزل الله هذه الآية ﴿لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا﴾.
قال مقاتل : لن يرفع إلى الله لحومها ولا دماؤها.
﴿وَلَـاكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ﴾ أي ولكن يرفع إليه منكم الأعمال الصالحة، وهي التقوى والإخلاص وما أريد به وجه الله.
فصل قالت المعتزلة : دلَّت هذه الآية على أمور : أحدها : أن الذي ينتفع به فعله دون الجسم الذي ينحره.
وثانيها : أنه سبحانه غني عن كل ذلك وإنما المراد أن يجتهد العبد في امتثال أمره.
٩٧
وثالثها : أنه لما لم ينتفع بالأجسام التي هي اللحوم والدماء وانتفع بتقواه، وجب أن يكون تقواه فعلاً له، وإلا كان تقواه بمنزلة اللحوم.
ورابعها : أنه لما شرط القبول بالتقوى، وصاحب الكبيرة غير مُتَّقٍ، فوجب أن لا يكون عمله مقبولاً وأنه لا ثواب له.
والجواب : أما الأولان فحقان، وأما الثالث فمعارض بالداعي والعلم.
وأما الرابع : فصاحب الكبيرة وإن لم يكن متقياً مطلقاً، ولكنه مُتَّقٍ فيما أتى به من الطاعة على سبيل الإخلاص، فوجب أن تكون طاعته مقبولة، وعند هذا تنقلب الآية حجة عليهم.
قوله :" كَذَلِكَ سَخَّرهَا " الكاف نعت مصدر أو حال من ذلك المصدر " وَلِتُكَبِّرُوا " متعلق به أي إنما سخرها كذلك لتكبروا الله، وهو التعظيم بما يفعله عند النحر وقبله وبعده.
و ﴿عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ متعلق بالتكبير، عُدِّي بعلى لتضمنه معنى الشكر على ما هداكم أرشدكم لمعالم دينه ومناسك حجه، وهو أن يقول : الله أكبر ما هدانا والحمد لله على ما أبلانا وأولانا، ثم قال بعده على سبيل الوعد لمن امتثل أمره " وَبَشِّر المُحْسِنِيْن " كما قال من قبل " وَبَشِّر المُخْبِتِيْن " قال ابن عباس : المحسنين الموحدين.
والمحسن الذي يفعل الحسن من الأعمال فيصير محسناً إلى نفسه بتوفير الثواب عليه.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٩٠
قوله تعالى :﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ااْ﴾ قرأ ابن كثير وأبو عمرو " يَدْفَعُ "، والباقون " يُدَافِع ".
وفيه وجهان : أحدهما : أن (فَاعِل) بمعنى (فَعَل) المجرد نحو جاوزته وجزته وسافرت وطارقت.
٩٨


الصفحة التالية
Icon