مأخوذ من النسك وهو العبادة، وإذا وقع الاسم على عبادة فلا وجه للتخصيص.
فإن قيل : هلا حملتموه على الذبح، لأن المنسك في العرف لا يفهم منه إلا الذبح وهلا حملتموه على موضع العبادة وعلى وقتها ؟ فالجواب عن الأول : لا نسلم أن المنسك في العرف مخصوص بالذبح، لأن سائر أفعال الحج تسمى مناسك قال عليه السلام :" خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُم ".
وعن الثاني : أن قوله :" هُمْ نَاسِكُوه " أليق بالعبادة منه بالوقت والمكان.
" فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ " قرأ الجمهور بتشديد النون، وقرئ بالنون الخفيفة وقرأ أبو مجلز " فَلاَ يَنْزِعُنَّكَ " من نَزَعتهُ من كذا أي قلعته منه.
وقال الزجاج : هو من نَازعتُه فَنَزَعْتُه أَنْزِعُه أي : غلبته في المنازعة.
ومجيء هذه الآية كقوله تعالى :﴿فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا﴾ [طه : ١٦] وقولهم : لا أَرَيَّنَكَ ههنا.
فصل معنى الكلام على قراءة أبي مجلز : أي اثبت في دينك ثباتاً لا يطمعون أن يخدعوك ليزيلوك عنه وعلى قراءة :" يُنَازِعُنَّكَ " فيه قولان : الأول : قال الزجاج : إنه نهي له عن منازعتهم كما تقول : لا يضاربك فلان أي : لا تضاربه.
قال بعض المفسرين :﴿فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي الأَمْرِ﴾ في أمر الذبائح، نزلت في بُدَيْل بن ورقاء وبشر بن سفيان ويزيد بن حُبَيش قالوا لأصحاب النبي ﷺ : مَا لَكُمْ تَأْكُلُونَ مَا تَقْتُلون بأَيْدِيْكُمْ وَلاَ تَأْكُلُونَ مَا قَتَلَ اللَّه.
١٤٤
والثاني : أن المراد أن عليهم اتباعك وترك مخالفتك، وقد استقر الآن الأمر على شرعك، وعلى أنه ناسخ لكل ما عداه، فكأنه قال : كل أمة بقيت منها بقية يلزمها أن تتحول إلى اتباع الرسول - عليه السلام - فلذلك قال :﴿وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ﴾ أي : لا تخص بالدعاء أمة دون أمة، فكلهم أمتك فادعهم إلى شريعتك، فإنك على هدى مستقيم والهدى يحتمل أن يكون نفس الدين، وأن يكون أدلة الدين، وهو أولى.
كأنه قال : ادعهم إلى هذا الدين فإنك من حيث الدلالة على طريقة واضحة، ولهذا قال :" وَإِنْ جَادَلُوْك " أي فإن عدلوا عن هذه الأدلة إلى المراء والتمسك بعادتهم ﴿فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ أي أنه ليس بعد إيضاح الأدلة إلا هذا الجنس الذي يجري مجرى الوعيد والتحذير من يوم القيامة الذي يتردد بين جنة وثواب لمن قَبِل وبين نار وعقاب لمن رَدّ وأنكر.
فقال :﴿اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ فتعرفون حينئذ الحق من الباطل.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ١٤٢
قوله تعالى :﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَآءِ وَالأَرْضِ﴾ الآية.
لما قال :﴿اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾ [الحج : ٦٩] أتبعه بما به يعلم أنه تعالى عالم بما يستحقه كل أحد، ويقع الحكم بينهم بالعدل لا بالجور فقال لرسوله :﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَآءِ وَالأَرْضِ﴾، وهذا استفهام معناه تقوية قلب الرسول - عليه السلام - والوعد له وإيعاد الكافرين بأن أفعالهم كلها محفوظة عند الله لا يضل عنه ولا ينسى.
والخطاب مع الرسول والمراد سائر العباد لأن الرسالة لا تثبت إلا بعد العلم بكونه تعالى عالماً بكل المعلومات، إذ لو لم يثبت ذلك لجاز أن يشتبه عليه الكاذب بالصادق، فحينئذ لا يكون إظهار المعجزة دليلاً على الصدق، وإذا كان كذلك استحال أن لا يكون الرسول عالماً بذلك، فثبت أن المراد
١٤٥