الخامس : أنها منصوبة على حذف كاف الجر، أي : كملة أبيكم.
قاله الفراء، وقال أبو البقاء قريباً منه، فإنه قال : وقيل تقديره : مثل ملة، لأن المعنى سهل عليكم الدين مثل ملة أبيكم، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.
وقوله :" إبراهيم " بدل أو بيان أو منصوب بأعني.
فصل والمقصود من ذكر " إِبْرَاهِيم " التنبيه على أن هذه التكاليف والشرائع هي شريعة إبراهيم والعرب كانوا محبين لإبراهيم - عليه السلام - لأنهم من أولاده، فكان ذكره كالسبب لانقيادهم لقبول هذا الدين.
فإن قيل : ليس كل المسلمين يرجع نسبه إلى إبراهيم.
فالجواب : أن هذا خطاب مع العرب، وهم كانوا من نسل إبراهيم.
وقيل : خاطب به جميع المسلمين، وإبراهيم أب لهم على معنى وجوب إكرامه وحفظ حقه كما يجب احترام الأب، فهو كقوله تعالى :" وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ "، وقال النبي - ﷺ - " إنما أنا لكم مثل الوالد " فإن قيل : هذا يقتضي أن تكون ملة محمد كملة إبراهيم سواء، فيكون الرسول ليس له شرع مخصوص، ويؤكده قوله :﴿اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ﴾ [النحل : ١٢٣].
فالجواب : إنما وقع هذا الكلام مع عبدة الأوثان، فكأنه قال : عبادة الله وترك الأوثان هي ملة إبراهيم، وأما تفاصيل الشرائع فلا تعلّق لها بهذا الموضع.
قوله :" هُو سَمَّاكُمْ " في هذا الضمير قولان : أحدهما : أنه يعود على " إبْرَاهِيمَ "، لأنه أقرب مذكور إلا أن ابن عطية قال : وفي هذه اللفظة يعني قوله :" وَفِي هَذَا " ضعف قول من قال : الضمير لـ " إبراهيم " ولا يتوجه إلا بتقدير محذوف من الكلام مستأنف.
انتهى.
ومعنى ضعف من قال بذلك أن قوله :" وَفِي هَذَا " عطف على " مِنْ قَبْلُ " و " هَذَا " إشارة إلى القرآن، فيلزم أن " إبْرَاهِيمَ " سمّاهم المسلمين في القرآن، وهو غير واضح ؛ لأن
١٥٩
القرآن المشار إليه إنما أنزل بعد إبراهيم بمدد طوال، فلذلك ضعف قوله.
قوله : إلا بتقدير محذوف الذي ينبغي أن يقدر : وسميتهم في هذا القرآن المسلمين وقال أبو البقاء : قيل : الضمير لـ " إبْرَاهِيمَ " فعلى هذا الوجه يكون قوله " وَفِي هَذَا " أي : وفي هذا القرآن سبب تسميتهم وهو قول إبراهيم :﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ﴾ [البقرة : ١٢٨]، فاستجاب الله له، وجعلها أمة محمد - ﷺ -.
والثاني : أن الضمير يعود على الله تعالى، ويدلّ له قراءة أُبيّ " اللَّهُ سَمَّاكُمْ " بصريح الجلالة، أي سماكم في الكتب السالفة وفي هذا القرآن الكريم أيضاً.
وهو مرويّ عن ابن عباس ويؤيده قوله :﴿لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ﴾.
فبيّن أنه سمّاهم بذلك لهذا الغرض، وهذا لا يليق إلا بالله.
فقوله :" لِيَكُونَ الرَّسُولُ " متعلق بـ " سَمَّاكُمْ " فبيّن فضلكم على سائر الأمم، وسماكم بهذا الاسم لأجل الشهادة المذكورة، فلما خصكم بهذه الكرامة فاعبدوه ولا تردوا تكاليفه.
وهذا هو الموجب الثالث لقبول التكليف، وتقدم الكلام في أنه كيف يكون الرسول شهيداً علينا وكيف تكون أمته شهداء على الناس في سورة البقرة.
وأما ما يجري مجرى المؤكد لما مضى فهو قوله :﴿فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ﴾ فهي المفروضات، لأنها المعهودة.
واعتصموا بحبل الله أي بدلائله العقلية والسمعية.
قال ابن عباس : سلو الله العِصمة عن كل المحرمات.
وقيل : ثقوا بالله وتوكلوا عليه.
وقال الحسن : تمسكوا بدين الله " هُوَ مَوْلاَكُمْ " سيدكم والمتصرف فيكم وناصركم وحافظكم.
﴿فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ فكأنه تعالى قال : أنا مولاكم بل أنا ناصركم.
وحسن حذف المخصوص بالمدح وقوع الثاني رأس آية وفاصلة.
فصل احتجت المعتزلة بهذه الآية من وجوه :
١٦٠