سورة المؤمنون
مكية وهي مائة وثمان عشرة آية، وألف ومائتان وأربعون كلمة، وعدد حروفها أربعة آلاف وثمانمائة وحرفان.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ١٦١
قوله تعالى :﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ الآيات العشر، روى ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول :" كان إذا نزل على رسول الله - ﷺ - الوحي يسمع عند وجهه كَدَوِيّ النحل فَمَكَثْنَا ساعة، وفي رواية : فنزل عليه يوماً فمكثنا ساعة، فَاسْتَقْبَلَ القبلة فرفع يديه، وقال :" اللَّهُمَّ زِدْنَا وَلاَ تَنْقِصْنَا، وأكْرِمْنَا وَلاَ تُهِنَّا، وأعْطِنَا وَلاَ تَحْرِمْنَا، وآثِرْنَا وَلاَ تُؤْثِرْ عَلَيْنَا وَارْضَ عَنَّا " ثم قال :" لَقَدْ أُنْزِلَ علينا عشر آيات مَنْ أَقَامَهُنَّ دخل الجنة " ثم قرأ :﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ عشر آيات " ورواه الإمام أحمد، وعلي بن المديني، وجماعة عن عبد
١٦٢
الرزاق وقالوا :" وَأعْطِنَا وَلاَ تَحْرِمْنَا وارْضَ عَنَّا ".
قوله :" قَدْ " هنا للتوقع، قال الزمخشري :" قد " نقيضة " لَمَّا " قد تثبت المتوقع ولما تنفيه، ولا شك أنّ المؤمنين كانوا متوقعين لهذه البشارة، وهي الإخبار بثبات الفلاح لهم، فخوطبوا بما دلّ على ثبات ما توقعوه.
وقال البغوي : قد حرف تأكيد.
وقال المحققون : قد يقرب الماضي من الحال يدل على أن الفلاح قد
١٦٣
حصل لهم وأنهم عليه في الحال.
وهو أبلغ من تجريد ذلك الفعل.
والعامة على " أَفْلَحَ " مفتوح الهمزة والحاء فعلاً ماضياً مبنياً للفاعل، وورش على قاعدته من نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها وحذفها.
وعن حمزة في الوقف خلاف، فروي عنه كورش وكالجماعة.
وقال أبو البقاء : من أَلْقَى حركة الهمزة على الدال وحذفها فعلّته أنَّ الهمزة بعد حذف حركتها صُيِّرت ألفاً، ثم حذفت لسكونها (وسكون الدال قبلها في الأصل ولا يُعْتَدُّ بحركة الدال لأنها عارضة.
وفي كلامه نظر من وجهين : أحدهما : أنَّ اللغة الفصيحة في النقل حذف الهمزة من الأصل فيقولون : المَرَة والكَمَة في المَرْأة والكَمْأَة، واللغة الضعيفة فيه إبقاؤها وتدبيرها بحركة ما قبلها، فيقولون : المَرَاة والكَمَاة بمدة بدل الهمزة كـ (رَاس وفَاس) فيمن خففها، فقوله : صُيّرت ألفاً.
ارتكاب لأضعف اللغتين.
الثاني : أنه وإن سُلم أنها صُيّرت ألفاً فلا نُسلّم أنَّ حذفها) لسكونها وسكون الدال في الأصل بعد حذفها لساكن محقق في اللفظ، وهو الفاء من " أَفْلَحَ "، ومتى وجد سبب ظاهر أُحيل الحكم عليه دون السبب المقدر.
وقرأ طلحة بن مُصرّف وعمرو بن عبيد " أُفلح " مبنياً للمفعول، أي : دخلوا في الفلاح فيحتمل أن يكون من أَفْلَح متعدياً، يقال : أفلحه،
١٦٤
أي : أصاره إلى الفلاح، فيكون " أَفْلَحَ " مستعملاً لازماً ومتعدياً.
وقرأ طلحة أيضاً :" أَفْلَحُ " بفتح الهمزة واللام وضم الحاء، وتخريجها على أنّ الأصل أفلحوا المؤمنون، بإلحاق علامة جمع قبل الفاعل كلغة : أكلوني البراغيثُ، فيجيء فيها ما تقدم في قوله :﴿ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ﴾ [المائدة : ٧١] ﴿وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾ [الأنبياء : ٣].
قال عيسى : سمعتُ طلحة يقرؤها فقلتُ له : أتلحن ؟ قال : نعم كما لحن أصحابي، يعني أني اتّبعتهم فيما قَرَأْتُ به، فإن لَحِنُوا على سبيل فَرْض المحالِ، فأنا لاَحِنٌ تبعاً لهم.
وهذا يدل على شدة اعتناء القدماء بالنقل وضبطه خلافاً لمن يُغلّط الرواة.
وقال ابن عطية : وهي قراءة مردودة.
قال شهاب الدين : ولا أدري كيف يُردُّونها مع ثبوت مثلها في القرآن بإجماع، وهما الآيتان المتقدمتان.
وقال الزمخشري : وعنه أي : عن طلحة - " أَفْلَحُ " بضمة بغير واو اجتزاء بها عنها كقوله :
٣٧٨٠ - فَلَوْ أَنَّ الأَطِّبَّا كَانُ حَوْلِي
وفيه نظر من حيث إن الواو لا تثبت في مثل هذا درجاً، لئلا يلتقي ساكنان فالحذف هنا لا بدّ منه، فكيف يقول اجتزأ بها عنها.
وأما تنظيره بالبيت فليس بمطابق، لأنّ حذفها من الآية ضروري ومن البيت ضرورة، وهذه الواو لا يظهر لفظها في الدرج بل يظهر في الوقف وفي الخط.
وقد اختلف النقلة لقراءة طلحة هل يثبت للواو صورة ؟ ففي كتاب ابن خالويه مكتوباً بواو بعد الحاء، وفي اللوامح : وحذفت الواو بعد الحاء لالتقائهما في الدرج، وكانت الكتابة عليها محمولة على الوصل ﴿وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ﴾ [الشورى : ٢٤].
قال شهاب الدين : ومثله
١٦٥
" سَندْعُ الزَّبَانِيَةَ " " لَصَالُ الجَحِيم ".
قال المفسرون : والفلاح : النجاة والبقاء.
قال ابن عباس : قد سعد المصدقون بالتوحيد وبقوا في الجنة.
وتقدم الكلام في الإيمان في البقرة.
قوله :﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ الجار متعلق بما بعده، وقُدّم للاهتمام به، وحسنه كون متعلقه فاصلة، وكذا فيما بعده من أخواته، وأضيف الصلاة إليهم، لأنهم هم المنتفعون بها، والمُصلى له غَنِيٌّ عنها، فلذلك أضيفت إليهم دونه.
فصل اختلفوا في الخشوع فمنهم من جعله من أفعال القلوب كالخوف والرهبة، ومنهم من جعله من أفعال الجوارح كالسكون وترك الالتفات ومنهم من جمع بين الأمرين، وهو الأولى.
قال ابن عباس : مخبتون أذلاء.
وقال الحسن وقتادة : خائفون.
وقال مقاتل : متواضعون.
وقال مجاهد : هو غض البصر وخفض الصوت، والخشوع قريب من الخضوع إلا أنّ الخضوع في البدن، والخشوع في القلب والبصر والصوت قال تعالى :﴿وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَانِ﴾ [طه : ١٠٨].
وعن عليّ : هو أن لا يلتفت يميناً ولا شمالاً.
وقال سعيد بن جبير : هو أن لا يعرف من على يمينه ولا من على يساره.
وقال عطاء : هو أن تعبث بشيء من جسدك، لأن النبي - ﷺ - أبصر رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة، فقال :" لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه " وقال ابن الخطيب : وهو عندنا واجب، ويدل عليه أمور : أحدها : قوله تعالى :﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ﴾ [محمد : ٢٤].
والتدبير لا يتصور بدون الوقوف على المعنى، وقوله تعالى :﴿أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً﴾ [المزمل : ٤] أي : قفوا على عجائبه ومعانيه.
١٦٦


الصفحة التالية
Icon