ويجوز أن يراد بالزكاة العين، ويقدر مضاف محذوف، وهو الأداء، وحمل البيت على هذا أصح، لأنها فيه مجموعة.
قال شهاب الدين : إنما أحوج أبا القاسم إلى هذا أن بعضهم زعم أنه يتعين أنْ يكون الزكاة هنا المصدر ؛ لأنه لو أراد العين لقال : مؤدون ولم يقل : فاعلون، فقال الزمخشري : لم يمتنع ذلك لعدم صحة تناول فاعلون لها بل لأنّ الخلق ليسوا بفاعليها، وإنما جعل الزكوات في بيت أمية أعياناً لجمعها، لأنّ المصدر لا يجمع، وناقشه أبو حيان وقال : يجوز أن يكون مصدراً وإنما جمع لاختلاف أنواعه.
وقال أبو مسلم : إنّ فعل الزكاة يقع على كل فعل محمود مرضي، كقوله :﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى ﴾ [الأعلى : ١٤]، وقوله :﴿فَلاَ تُزَكُّوا ااْ أَنفُسَكُمْ﴾ [النجم : ٣٢] ومن جملتهم ما يخرج من حق المال، وإنما سمي بذلك ؛ لأنها تطهر من الذنوب، لقوله تعالى :﴿تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [التوبة : ١٠٣].
وقال الأكثرون : المراد بها هنا : الحق الواجب في الأموال خاصة ؛ لأنّ هذه اللفظة قد اختصت في الشرع بهذا المعنى.
فإنْ قيل : إن الله تعالى لم يفصل بين الصلاة والزكاة فَلِمَ فصل هنا بينهما بقوله :﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ﴾ ؟ فالجواب : لأنّ ترك اللغو من متمات الصلاة.
قوله :﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾ الفرج اسم يجمع سوأة الرجل والمرأة، وحفظ الفرج التعفف عن الحرام.
قوله :﴿إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ﴾ فيه أوجه : أحدها : أنه متعلق بـ " حَافِظُونَ " على التضمين معنى ممسكين أو قاصرين وكلاهما يتعدى بعلى قال تعالى :﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ﴾ [الأحزاب : ٣٧].
الثاني : أنّ " عَلَى " بمعنى " مِنْ " أي : إلا من أزواجهم كما جاءت " مِنْ " بمعنى
١٦٩
" عَلَى " في قوله :﴿وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ﴾ [الأنبياء : ٧٧] وإليه ذهب الفراء.
الثالث : أنْ يكون في موضع نصب على الحال، قال الزمخشري : إلاَّ وَالِينَ على أزواجهم أو قوّامين عليهنّ من قولك : كان فلان على فلانة فمات عنها فخلف عليها فلان، ونظيره : كان زياد على البصرة أي : والياً عليها، ومنه قولهم : فلانة تحت فلان، ومن ثمّ سميت المرأة فراشاً.
الرابع : أنْ يتعلق بمحذوف يدل عليه " غَيْرُ مَلُومِينَ " قال الزمخشري : كأنه قيل : يلامون إلا على أزواجهم، أي : يلامون على كل مباشرة إلا على ما أطلق لهم فإنهم غير ملومين عليه.
قال شهاب الدين : وإنما لم يجعله متعلقاً بـ " مَلُومِينَ " لوجهين : أحدهما : أن ما بعد " إِنَّ " لا يعمل فيما قبلها.
الثاني : أن المضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف.
الخامس : أن يجعل صلة لحافظين، قال الزمخشري : من قولك : احفظ عليّ عنان فرسي، على تضمينه معنى النفي كما ضمن قولهم : نشدتك بالله إلا فعلت معنى : ما طلبت منك إلا فعلك يعني أنّ صورته إثبات ومعناه نفي.
قال أبو حيان بعدما ذكر ذلك عن الزمخشري : وهذه وجوه متكلفة ظاهر فيها العجمة.
قال شهاب الدين : وأي عجمةٍ في ذلك على أنّ الشيخ جعلها متعلقة بـ " حَافِظُونَ " على ما ذكره من التضمين، وهذا لا يصح له إلا بأن يرتكب وجهاً منها وهو التأويل بالنفي
١٧٠
كنشدتك الله، لأنه استثناء مفرغ ولا يكون إلا بعد نفي أو ما في معناه.
السادس : قال أبو البقاء : في موضع نصب بـ " حَافِظُونَ " على المعنى ؛ لأنّ المعنى صانوها عن كل فرج إلا عن فروج أزواجهم.
قال شهاب الدين : وفيه سببان : أحدهما تضمين " حَافِظُونَ " معنى صانوا، وتضمين " على " معنى " عَنْ ".
قوله :﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ﴾ " مَا " بمعنى : اللاتي، و " مَا " في محل الخفض يعني : أو على ما ملكت أيمانهم.
وفي وقوعها على العقلاء وجهان : أحدهما : أنها واقعة على الأنواع كقوله :﴿فَانكِحُواْ مَا طَابَ﴾ [النساء : ٣] أي : أنواع.
والثاني : قال الزمخشري : أريد من جنس العقلاء ما يجري مجرى غير العقلاء وهم الإناث.
قال أبو حيان : وقوله : وهم.
ليس بجيد، لأنّ لفظ هُمْ مختص بالذكور فكان ينبغي أن يقول :" وَهُوَ " على لفظ " مَا " أو " هُنَّ " على معنى (ما).
وأجيب بأن الضمير عائد على العقلاء فقوله :" وَهُمْ " أي : العقلاء الإناث.
وقال ابن الخطيب هلا قيل : مَنْ ملكت ؟ فالجواب : لأنه اجتمع في السُّرِّيَّةِ وصفان : أحدهما : الأنوثة وهي مظنة نقصان العقل.
١٧١