يكون اسم مصدر، وهو الإنزال أو النزول، وأن يكون اسم مكان النزول أو الإنزال، إلا أنّ القياس " مُنْزَلاً " بالضم والفتح لقوله :" أَنْزِلْنِي ".
وأما الفتح والكسر فعلى نيابة مصدر الثلاثي مناب مصدر الرباعي كقوله :﴿أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتاً﴾ [نوح : ١٧]، وتقدم نظيره في " مُدْخَل " و " مَدْخَل " في سورة النساء واختلفوا في المنزل، فقيل : نفس السفينة، وقيل : بعد خروجه من السفينة منزلاً من الأرض مباركاً.
والأول أقرب، لأنه أُمِرَ بهذا الدعاء حال استقراره، فيكون هو المنزل دون غيره.
ثم قال :﴿وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ﴾، وذلك أن الإنزال في الأمكنة قد يقع من غير الله كما يقع من الله، لأنه يحفظ من أنزله في سائر أحواله.
ثم بين تعالى أنّ فيما ذُكِر من قصة نوح وقومه " آيات " دلالات وعبر في الدعاء إلى الإيمان، والزجر عن الكفر، فإنّ إظهار تلك المياه العظيمة، ثم إذهابها لا يقدر عليه إلا القادر على كل المقدورات، وظهور تلك الواقعة على وفق قول نوح - عليه السلام - يدل على المعجز العظيم، وإفناء الكفار، وبقاء الأرض لأهل الطاعة من أعظم أنواع العبر.
قوله :﴿وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ﴾ " إِنْ " مخففة، و " اللام " فارقة.
وقيل :" إِنْ " نافية و " اللام " بمعنى " إِلاَّ " وتقدم ذلك مراراً فعلى الأول معناه : وقد كنا، وعلى الثاني : ما كنا إلا مبتلين، فيجب على كل مكلَّف أن يعتبر بهذا الذي ذكرناه.
وقيل : المراد لمعاقبين من كذب الأنبياء، وسلك مثل طريقة قوم نوح.
وقيل : المراد كما عاقب بالغرق من كذب فقد نمتحن من لم يكذب على وجه المصلحة لا على وجه التعذيب، لكيلا يقدر أن كل الغرق يجري على وجه واحد.
٢٠١
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ١٩٧
قوله تعالى :﴿ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ﴾ الآيات.
قال ابن عباس وأكثر المفسرين : هذه قصة هود لقوله تعالى حكاية عن هود ﴿وَاذكُرُوا ااْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ﴾ [الأعراف : ٦٩]، ومجيء قصة هود عقيب قصة نوح في سورة الأعراف، وهود، والشعراء.
وقال بعضهم : هي قصة صالح لأنَّ قومه الذين كذبوه هم الذين هلكوا بالصيحة وتقدم كيفية الدعوى في قصة نوح.
قوله :" فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ " قال الزمخشري : فإنْ قُلْتَ : حق " أَرْسَلَ " أن يتعدى بـ " إلى " كأخواته التي هي : وَجَّهَ، وأَنْفَذَ وبَعَثَ، فما له عدي في القرآن بـ (إلى) تارة وبـ (في) أخرى كقوله :﴿كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِى أُمَّةٍ﴾ [الرعد : ٣٠] ﴿(وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ)﴾ [سبأ : ٣٤].
قُلْتُ : لم يعد بـ (في) كما عُدّي بـ (إلى)، ولم يجعل صلة مثله، ولكن الأمة أو القرية جعلت موضعاً للإرسال، كقول رؤبة :
٣٧٩١ - أرسلت فيها مصعباً ذا أقحام
٢٠٢
وقد جاء (بَعَثَ) على ذلك، كقوله تعالى ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً﴾ [الفرقان : ٥١].
قوله :﴿أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ﴾ يجوز أن تكون المصدرية أي : أرسلناه بأن اعبدوا الله.
أي : بقوله اعبدوا، وأن تكون مفسرة.
" أَفَلاَ تَتَّقُونَ " قال بعضهم : هذا الكلام غير موصول بالأول، وإنما قاله لهم بعد أن كذبوه، وردّوا عليه بعد إقامة الحجة عليهم فعند ذلك خوفهم بقوله :" أَفَلاَ تَتَّقُون " هذه الطريقة مخالفة العذاب الذي أنذركم به.
ويجوز أن يكون موصولاً بالكلام الأول بأن رآهم معرضين عن عبادة الله مشتغلين بعبادة الأوثان، فدعاهم إلى عبادة الله، وحذّرهم من العقاب بسبب إقبالهم على عبادة الأوثان.
قوله :" وقَالَ الملأُ " قال الزمخشري : فإنْ قُلْتَ : ذكر مقالة قوم هود في جوابه في سورة الأعراف، وسورة هود بغير واو، ﴿قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ﴾ [الأعراف : ٦٦] ﴿قَالُواْ (ى هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ)﴾ [هود : ٥٣].
وههنا مع الواو، فأيّ فرق بينهما ؟ قُلْتُ : الذي بغير واو على تقدير سؤال سائل قال : فماذا قيل له ؟ فقيل له : قالوا : كيت وكيت، وأمّا الذي مع الواو فعطف لما قالوه على ما قاله، ومعناه أنه اجتمع في الحصول، (أي في هذه الواقعة في) هذا الكلام الحق وهذا (الكلام) الباطل وشتان ما بينهما قال شهاب الدين : ولقائل أن يقول : هذا جواب بنفس الواقع، والسؤال باق، إذ يحسن أن يقال : لِمَ لا جعل هنا قولهم أيضاً جواباً لسؤال سائل كما في نظيرتها أو عكس الأمر.
قوله ﴿وَكَذَّبُواْ بِلِقَآءِ الآخِرَةِ﴾ أي : بالمصير إلى الآخرة " وأَتْرَفْنَاهُم " نعمناهم ووسعنا عليهم ﴿فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا مَا هَـذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ﴾ وقد تقدم شرح هذه الشبهة في القصة الأولى ﴿وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ﴾ أي : منه، فحذف العائد لاستكمال شروطه، وهو اتحاد الحرف، والمتعلق، وعدم قيامه مقام مرفوع، وعدم ضمير
٢٠٣


الصفحة التالية
Icon