فتحصّل في ألفه ثلاثة أوجه : أحدها : أنها بدل من التنوين في الوقف.
الثاني : أنها للإلحاق.
الثالث : أنها للتأنيث.
واختلفوا فيها هل هي مصدر كَدَعْوَى و " ذِكْرَى "، أو اسم جمع كـ " أَسْرَى " و " شَتَّى " ؟ كذا قاله أبو حيان.
وفيه نظر : إذ المشهور أن " أَسْرَى " و " شَتَّى " جمعا تكسير لا اسما جمع.
وتاؤها في الأصل واو لأنها من المواترة، والوتر، فقلبت تاء كما قلبت تاء في " تَوْرِيَة "، وتَوْلَج، وتَيْقُور، وتخمة وتراث، وتجاه فإنه من الوَرْي والولُوج، والوَقَار، والوَخَامَة، والورَاثة، والوَجه.
واختلفوا في مدلولها، فعن الأصمعي : واحداً بعد واحد وبينهما هُنَيْهَة وقال غيره : هو من المُوَاتَرَة، وهي التتابع بغير مُهْلَة.
وقال الراغب : والتوَاتُر تَتَابُع
٢١٩
الشيء وِتْراً وفُرَادَى، قال تعالى :﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى﴾.
والوَتِيرة : السَّجية والطريقة، يقال : هم على وَتِيرةٍ واحدةٍ.
والتِّرَةُ : الذَّحْلَ والوَتِيرة : الحاجز بن المنخرين.
قوله :﴿كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ﴾ أي : أنهم سلكوا في تكذيب أنبيائهم مسلك من تقدّم ذكره ممن أهلكه الله بالغرق والصيحة، ولذلك قال :﴿فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً﴾ بالإهلاك.
قوله :﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ﴾ قيل : هو جمع حديث، ولكنه شاذ.
والمعنى : سَمَراً وقصصاً يحدث من بعدهم بأمرهم، ولم يبق منهم عين ولا أثر إلا الحديث الذي يعتبر به.
وقيل : بل هو جمع أُحْدُوثة، كأُضْحُوكة وأُعْجُوبَة، وهو ما يحدث به الناس تَلهياً وتَعَجُّباً.
وقال الأخفش : لا يقال ذلك إلا في الشر ولا يقال في الخير وقد شذت العرب في ألفاظ، فجمعوها على صيغة (أفَاعيل) كأباطيل وأقاطيع.
وقال الزمخشري : الأحاديث يكون اسم جمع للحديث، ومنه أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو حيان : و(أفاعيل) ليس من أبنية اسم الجمع، فإنما ذكره النحاة فيما شذ من الجموع كقَطِيع وأقَاطِيع، وإذا كان عَبَادِيد قد حكموا عليه بأنه جمع تكسير مع أنهم لم يلفظوا له بواحد، فأحرى أحاديث وقد لفظ له بواحد وهو حديث فاتضح أنه جمع تكسير لا اسم جمع لما ذكرنا.
ثم قال تعالى :﴿فَبُعْداً لِّقَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ﴾ وهذا دعاء، وذم، وتوبيخ، وذلك وعيد شديد.
٢٢٠
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٢١٧
قوله تعالى :﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ﴾ الآية.
يجوز أن يكون " هَارُونَ " بدلاً، وأن يكون بياناً، وأن يكون منصوباً بإضمار أعني.
واختلفوا في الآيات، فقال ابن عباس : هي الآيات التسع وهي العصا، واليد، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والبحر، والسنين، ونقص الثمرات.
وقال الحسن :" بآيَاتِنَا " أي : بديننا.
واحتج بأن المراد لو كان الآيات وهي المعجزات، والسلطان المبين : هو أيضاً المعجز، لزم منه عطف الشيء على نفسه.
والأول أقرب، لأنّ لفظ الآيات إذا ذكر مع الرسول فالمراد به المعجزات.
وأما احتجاجه فالجواب عنه من وجوه : الأول : أنّ المراد بالسلطان المبين : يجوز أن يكون أشرف معجزاته، وهي العصا، لأن فيها معجزات شتّى من انقلابها حيّة وتلقّفها ما صنع السحرة، وانفلاق البحر، وانفجار العيون من الحجر بضربهما بها، وكونها حارساً، وشمعةً، وشجرة مثمرة، ودَلْواً، ورشَاءً، فلاجتماع هذه الفضائل فيها أفردت بالذكر كقوله :" وجِبْرِيلَ ومِيكَالَ ".
والثاني : يجوز أن يكون المراد بالآيات نفس تلك المعجزات، وبالسلطان المبين كيفيّة دلالتها على الصدق، فلأنها وإن شاركت آيات سائر الأنبياء في كونها آيات فقد فارقتها في قوة دلالتها على قبول قول موسى - عليه السلام -.
الثالث : أن يكون المراد بالسلطان المبين استيلاء موسى - عليه السلام - عليهم في الاستدلال على وجود الصانع، وإثبات النبوّة، وأنه ما كان يقيم لهم قدراً ولا وزناً.
واعلم أنَّ الآية تدل على أنّ معجزات موسى كانت معجزات هارون أيضاً وأنّ النبوة مشتركة بينهما، فكذلك المعجزات.
ثم قال :﴿إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُواْ﴾ وتعظموا عن الإيمان ﴿وَكَانُواْ قَوْماً عَالِينَ﴾ متكبرين قاهرين غيرهم بالظلم.
قوله :" لِبَشَرَيْنِ " شر يقع على الواحد والمثنى والمجموع، والمذكر والمؤنث
٢٢١


الصفحة التالية
Icon