و(مِنْ مَالٍ) حال من الموصول أو بيان له، فيتعلق بمحذوف، و(نُسَارعُ) خبر (أنَّ) والعائد من هذه الجملة إلى اسم (أنَّ) محذوف تقديره : نسارع لهم به أو فيه إلا أنّ حذف مثله قليل.
وقيل : الرابط بين هذه الجملة باسم " أنَّ " هو الظاهر الذي قام مقام المضمر من قوله :" في الخَيْرَاتِ "، إذ الأصل نُسَارع لهم فيه، فأوقع الخيرات موقعه تعظيماً وتنبيهاً على كونه من الخيرات، وهذا يتمشّى على مذهب الأخفش، إذ يرى الربط بالأسماء الظاهرة وإن لم يكن بلفظ الأوَّل، فيجيز زيد الذي قام أبو عبد الله، إذا كان أبو عبد الله كنية زيد، وتقدّمت منه أمثلة.
قال أبو البقاء : ولا يجوز أن يكون الخبر (مِنْ مَالٍ)، لأنه (إذا) كان من مال فلا (يعاب عليهم ذلك، وإنّما) يُعاب عليهم اعتقادهم أن تلك الأموال خيرٌ لهم.
الثاني : أن تكون (ما) مصدرية فَيَنْسَبِك منها ومما بعدها مصدر، هو اسم (أنّ)، و " نُسَارع " هو الخبر، وعلى هذا فلا بدّ من حذف (أنْ) المصدرية قبل " نُسَارعُ "، ليصح الإخبار، تقديره : أن نُسَارعَ.
فلمّا حذفت (أنْ) ارتفع المضارع بعدها، والتقدير : أيحسبون أن إمدادنا لهم من كذا مسارعةً مِنَّا لهم في الخيرات.
الثالث : أنها مهيئة كافة، وبه قال الكسائي في هذه الآية، وحينئذ يوقف على (وَبَنِينَ)، لأنّه قد حصل بعد فعل الحسبان نسبة من مسند ومسند إليه نحو : حسبتُ إنّما ينطلق عمرو وإنّما تقوم أنت.
وقرأ يحيى بن وثاب :" إِنَّمَا " بكسر الهمزة على الاستئناف، ويكون حذف مفعول الحسبان اقتصاراً واختصاراً.
وابن كثير في رواية " يَمدُّهُمْ " بالياء، وهو الله تعالى، وقياسه أن يقرأ " يُسَارع " أيضاً.
وقرأ السلمي وابن أبي بكرة " يُسَارع " بالياء وكسر الراء، وفي فاعله وجهان : أحدهما : الباري تعالى.
٢٢٩
والثاني : ضمير (ما) الموصولة إن جعلناها بمعنى (الذي)، أو على المصدر إن جعلناها مصدرية، وحينئذ يكون " يُسَارعُ لَهُمْ " الخبر.
فعلى الأوّل يحتاج إلى تقدير عائد أي : يُسَارعُ الله لهم به أو فيه وعلى الثاني لا يحتاج إذ الفاعل ضمير (ما) الموصولة.
وعن (ابن) أبي بكرة المتقدم أيضاً " يُسَارع " بالياء مبنياً للمفعول و " في الخَيْرَاتِ " هو القائم مقام الفاعل، والجملة خبر (أنّ) والعائد محذوف على ما تقدّم.
وقرأ الحسن :" نُسْرِعُ " بالنون من أسْرَعَ، وهي كـ " نُسَارع " فيما تقدم.
و ﴿بَل لاَّ يَشْعُرُونَ﴾ إضراب عن الحسبان المستفهم عنه استفهام تقريع، وهو إضراب انتقال، والمعنى : أنهم أشباه البهائم لا شعور لهم حتى يتفكروا في ذلك الإمداد، أهو استدراج أم مسارعة في الخير روى يزيد بن ميسرة قال : أوحى الله - تعالى - إلى نبيّ من الأنبياء :" أيفرح عبدي أن أبسط له في الدنيا وهو أبعد له منّي، ويجزع أن أقبض عنه الدنيا وهي أقرب له منّي " ثم تلا ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ﴾.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٢٢٥
قوله :﴿إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ﴾ الآيات لمَّا ذمَّ من تقدّم بقوله :﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ﴾ [المؤمنون : ٥٥] ثم قال :﴿بَل لاَّ يَشْعُرُونَ﴾ [المؤمنون : ٥٦]، بيّن بعده صفات من يُسارع في الخيرات، فقال :﴿إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ﴾، والإشفاق يتضمن الخشية مع زيادة رقة وضعف.
وقيل : جمع بينهما للتأكيد.
ومنهم من حمل الخشية على العذاب،
٢٣٠


الصفحة التالية
Icon