قوله :﴿بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ﴾ العامة على إسناد الفعل إلى ضمير المتكلم المعظم نفسه، والمراد أتتهم رسلنا.
وقرأ أبو عمرو في رواية " آتَيْنَاهُمْ " بالمد أي أعطيناهم، فيحتمل أن يكون المفعول الثاني غير مذكور، ويحتمل أن يكون " بِذِكْرِهِمْ " والباء مزيدة فيه وابن أبي إسحاق وعيسى بن عمر وأبو عمرو أيضاً " أَتَيْتهمْ " بتاء المتكلم وحده.
وأبو البرهثم وأبو حيوة والجحدري وأبو رجاء " أَتَيْتَهُمْ " بتاء الخطاب، وهو الرسول - عليه السلام -.
وعيسى :" بِذِكْرَاهُم " بألف التأنيث.
وقتادة " نُذَكِّرهُمْ " بنون المتكلم المعظم نفسه مكان باء الجر مضارع (ذَكَّر) المشدد، ويكون (نُذكرُهُمْ) جملة حالية.
وتقدم الكلام في " خَرْجاً " و " خَرَاجاً " في : الكهف.
فصل قال ابن عباس :﴿بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ﴾ بما فيه فخرهم وشرفهم.
يعني : القرآن، فهو كقوله :﴿لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ [الأنبياء : ١٠] أي : شرفكم، ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ [الزخرف : ٤٤] أي : شرف لك ولقومك ﴿فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ﴾ شرفهم " معرِضون ".
وقيل : الذكر هو الوعظ والتذكير التحذير.
" أَمْ تَسْأَلُهُمْ " على ما جئتم به " خَرْجاً " أجراً وجعلاً ﴿فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ﴾ أي ما يعطيك الله من رزقه وثوابه خير ﴿وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ وتقدم الكلام على نظيره.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٢٣٨
قوله :﴿وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ وهو الإسلام.
﴿وَإِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ
٢٤٣
بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ﴾
عن دين الحق " لَنَاكِبُونَ " لعادون عن هذا الطريق، لأنَّ طريق الاستقامة واحد وما يخالفه فكثير.
قوله :" عَنِ الصِّرَاطِ " متعلق بـ " نَاكِبُونَ " ولا تمنع لام الابتداء من ذلك على رأي تقدّم تحقيقه.
والنُّكُوب والنَّكْبُ : العدول والميل، ومنه : النَّكْبَاء للريح بين ريحين، سُميت بذلك لعدولها عن المهاب، وَنَكَبَتْ حوادثُ الدهرِ، أي : هَبّت هبوب النَّكْبَاء.
والمَنْكِبُ : مجتمع ما بين العَضُدِ والكتف، والأَنْكَبُ : المائل المَنْكِب، ولفلان نِكَابَة في قومه أي : نقابة فتشبه أن تكون الكاف بدلاً من القاف، ويقال : نَكَبَ ونَكَّبَ مخففاً ومثقلاً.
قوله :﴿وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِّن ضُرٍّ﴾ قحط وجدب وقيل : ضرر القتال والسبي.
وقيل : مضار الآخرة وعذابها.
قوله :" للجُّوا " جواب " لَوْ "، وقد توالى فيه لاَمَان، وفيه تضعيف لقول من قال : جوابها إذا نفي بـ (لم) ونحوها مما صدر فيه حرف النفي بلام أنه لا يجوز دخول اللام ولو قلت : لو قام لَلَمْ يقم عمرو، لَمْ يجز، قال : لئّلا يتوالى لامان، وهذا موجود في الإيجاب كهذه الآية، ولم يمتنع، وإلا فما الفَرْق بين النفي والإثبات في ذلك واللّجَاجُ : التمادي في العناد في تعاطي الفعل المزجور عنه، ومنه اللَّجَّة : بالفتح : لتردد الصوت، كقوله :
٣٨٠٥ - في لَجَّةٍ أَمْسِكْ فُلاَناً عن فُلِ
٢٤٤
ولجَّة البحر لتردد أمواجه، ولَجَّةُ الليل لتردّد ظلامه.
واللَّجْلَجَةُ تردّد الكلام، وهو تكرير لَجَّ، ويقال : لَجَّ والتَجَّ.
ومعنى الآية : لتمادوا في طغيانهم وضلالهم وهم متحيرون لم ينزعوا عنه.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٢٤٣
قوله :﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ﴾ قال المفسرون : لما أسلم ثُمامة بن أثال الحنفي، ولحق باليمامة، ومنع المِيرَة عن أهل مكة، ودَعَا النبي ﷺ على قريش أن يجعل عليهم سنين كسني يوسف، فأصابهم القحط حتى أكلوا العِلْهِز، جاء أبو سفيان إلى النبي ﷺ وقال : أنشدك الله والرحم، ألَسْتَ تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين ؟ فقال :" بَلَى ".
فقال : قد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع، فادعُ الله يكشف عنا هذا القحط، فدعا فكشف عنهم، فأنزل الله هذه الآية.
والمعنى أخذناهم بالجوع فما أطاعوا.
وقال الأصم : العذاب هو ما نالهم يوم بدر من القتل والأسر يعني أن ذلك مع شدة ما دعاهم إلى الإيمان.
وقيل : المراد من عُذِّبَ من الأمم الخالية.
" فَمَا اسْتَكَانُوا " أي : مشركو العرب.
قوله :" فَمَا اسْتَكَانُوا " تقدم وزن (استكان) في آل عمران.
وجاء الأول ماضياً والثاني مضارعاً، ولم يجيئا ماضيين، ولا مضارعين ولا جاء الأول مضارعاً والثاني ماضياً، لإفادة الماضي وجود الفعل وتحققه، وهو بالاستكانة أليق، بخلاف التضرع فإنه أخبر عنهم بنفي ذلك في الاستقبال وأما الاستكانة فقد توجد منهم.
٢٤٥


الصفحة التالية
Icon