من هذه الآيات الرد على منكري الإعادة، وأن يكون المقصود الرد على عبدة الأوثان، لأنّ القوم كانوا مُقرين بالله، وقالوا : نعبد الأصنام لتقربنا إلى الله زلفى، فقال تعالى : قل يا محمد مُجيباً لَهُم يعني يا أهل مكة ﴿لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَآ﴾ من الخلق ﴿إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ خالقها ومالكها " سَيَقُولُونَ لِلَّهِ " فَلا بُدّ لهم من ذلك، لأنهم يقرون أنها مخلوقة، فقل لهم إذا أقَرُّوا بذلك :" أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ " فتعلمون أنّ من قدر على خلق الأرض ومن فيها ابتداء يقدر على إحيائهم بعد الموت.
وفي قوله :﴿إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ سؤال يأتي في قوله :﴿وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ووجه الاستدلال به على نفي عبادة الأوثان من حيث أن عبادة من خلقهم، وخلق الأرض وكل من فيها هي الواجبة دون عبادة ما لا يضر ولا ينفع.
وقوله :﴿أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ معناه الترغيب في التدبّر ليعلموا بطلان ما هم عليه.
قوله :﴿قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ﴾ ووجه الاستدلال بها على الأمرين كما تقدّم.
وإنما قال :" أَفَلاَ تَتَقُّونَ " أي : تحذرون، تنبيهاً على أنَّ اتقاء عذاب الله لا يحصل إلاَّ بترك عبادة الأوثان، والاعتراف بجواز الإعادة.
قوله :﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ﴾ قرأ أبو عمرو " سَيُقُولونَ اللَّهُ " في الأخيرتين من غير لام جر، ورفع الجلالة جواباً على اللفظ لقوله " مَنْ " قوله :﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ.
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾
، لأنّ المسؤول به مرفوع المحل وهو " مَنْ " فجاء جوابه مرفوعاً مطابقاً له لفظاً، وكذلك رُسِم الموضعان في مصاحف البصرة بالألف.
والباقون :" لِلَّهِ " في الموضعين باللام وهو جواب على المعنى ؛ لأنه لا فرق بين قوله :﴿مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ﴾ وبين قوله : لِمَن السَّمَوات، ولا بين قوله :" مَنْ بِيَدِهِ " ولا لمن له الإحسان، وهذا كقولك : مَنْ رَبّ هذه الدار ؟ فيقال : زيدٌ، وإن شئت
٢٤٨
لزيدٍ، لأنّ قولك : من ربُّه ؟ ولمن هو ؟ في معنى واحد، لأنّ السؤال لا فرق فيه بين أن يقال : لمن هذه الدار ؟ ومن ربُّها ؟ واللام مرسومة في مصاحفهم فوافق كل مصحفه.
ولم يختلف في الأول أنه " لِلَّهِ "، لأنه مرسوم باللام وجاء الجواب باللام كما في السؤال ولو حذفت من الجواب لجاز، لأنه لا فرق بين :" لِمَنِ الأَرْضُ " ومَنْ رَبّ الأرض، إلا أنه لم يقرأ به أحد.
قوله :﴿قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ (لمّا ذكر الأرض أولاً والسماء ثانياً، عمَّم الحكم هاهنا بقوله :﴿قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ ) ويدخل في الملكوت المِلْك والمُلْك والتاء فيه على سبيل المبالغة.
" وَهُوَ يُجِيرُ " أي : يؤمن من يشاء، ﴿وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ﴾ أي : لا يؤمن من أخافه الله، يقال : أجرت فلاناً على فلان إذا منعته منه.
قوله :﴿إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ فيه سؤال : وهو كيف قال :﴿إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ثم حكى عنهم " سَيَقُولُونَ اللَّهُ " وفيه تناقض ؟ والجواب : لا تناقض، لأنّ قوله :﴿إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ لا ينفي علمهم بذلك وقد يُقال مثل ذلك في الحِجَاج على وجه التأكيد لعلمهم والبعث على اعترافهم بما يورد من ذلك.
وقوله :﴿فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾ أي : تصرفون عن توحيده وطاعته، والمعنى كيف يحتمل لكم الحق باطلاً.
﴿بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ﴾ بالصدق، " وإنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ " فيما يدعون من الشرك والولد، وقرئ هنا ببعض ما قرئ به في نظيره.
فقرأ ابن إسحاق :" أَتَيْتُهُمْ " بتاء الخطاب، وغيره بتاء المتكلم.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٢٤٧
قوله تعالى :﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ﴾ الآية.
وهذه الآية كالتنبيه على الردّ على الكفار الذين يقولون : الملائكة بنات الله.
وقوله :﴿وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ﴾ ردّ
٢٤٩


الصفحة التالية
Icon