على القولين أن يحصل العلم للقاضي في بلد ولايته (وزمان ولايته) أو في غيره.
وقال أبو حنيفة : إن حصل له العلم في بلد ولايته (وفي زمان ولايته) له أن يقضي بعلمه وإلا فلا.
فصل لا يقيم الحد إلا الإمام أو نائبه وللسيد أن يقيم الحد على رقيقه لقوله عليه السلام :" إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدكم فَلْيَجلِدْها " وقيل : بل يرفعه إلى الإمام.
ويُجلد المحصن مع ثيابه ولا يجرد، ولكن ينبغي أن تكون بحيث يصل ألم الضرب إليه، وأما المرأة فلا يجوز تجريدها، بل تربط عليها ثيابها حتى لا تنكشف، ويلي ذلك منها امرأة.
ويضرب بسوط لا جديد يجرح ولا خلق لا يؤلم، ولا يمد، ولا يربط، بل يترك حتى يتقي بيديه ويضرب الرجل قائماً والمرأة جالسة، وتفرق السياط على أعضائه ولا يجمعها في موضع واحد ويتقى المهالك كالوجه والبطن والفرج.
قال الشافعي : يضرب على الرأس.
وقال أبو حنيفة : لا يضرب على الرأس.
فصل ولا يقام الحدّ على الحامل حتى تضع ولدها، ويستغنى عنها لحديث الجهنية، وأما المريض فإن كان يرجى زوال مرضه أخّر حتى يبرأ (إن كان الحد جلداً، وإن كان رجماً أقيم عليه الحدُّ، لأن المقصود قتله)، وإن كان مرضه لا يرجى زواله لم يضرب بالسياط، بل يضرب بضغث فيه عيدان بعدد ما يجب عليه لقصة أيوب ( - عليه
٢٨٣
السلام - ) وأدلة جميع ما تقدم مذكورة في كتب الفقه.
فصل لو فرق السياط تفريقاً لا يحصل به التنكيل مثل أن ضرب كل يوم سوطاً أو سوطين لم يحسب، وإن ضرب كل يوم عشرين وأكثر حسب.
فصل ويقام الحد في وقت اعتدال الهواء، فإن كان في وقت شدة حرّ أو برد نظرنا : إن كان الحدّ رجماً أقيم عليه كما يقام في المرض، لأن المقصود قتله.
وقيل : إن كان الرجم ثبت بإقراره أخّر إلى اعتدال الهواء وزوال المرض (إنْ كان يرجى زوال، لأنه ربما رجع عن إقراره في خلال الرجم) وقد أثر الرجم في جسمه فيعين شدة الحر والبرد والمرض على إهلاكه.
وإن ثبت بالبينة لا يؤخر، لأنه لا يسقط.
وإن كان الحد جلداً لم يجز إقامته في شدة الحر والبرد كما لا يقام في المرض.
فصل معنى قوله :﴿وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ﴾.
قال مجاهد وعكرمة وعطاء وسعيد بن جبير والنخعي والشعبي : لا تأخذكم بهما رأفة فتعطلوا الحدود ولا تقيموها.
وقيل : ولا تأخذكم رأفة فتخففوا، ولكن أوجعوهما ضرباً.
وهو قول سعيد بن المسيب والحسن.
قال الزهري : يجتهد في حدّ الزنا والغربة، ويخفف في حدّ الشرب.
وقال قتادة : يخفف في الشرب والغربة، ويجتهد في الزنا.
ومعنى ﴿فِي دِينِ اللَّهِ﴾ : أي : في حكم الله، روي أن عبد الله بن عمر جلد جارية له زنت فقال للجلاد :" اضْرُبْ ظَهْرَهَا ورِجْلَيْهَا " فقال له ابنه :" ولا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةً في دِينِ اللَّهِ " فقال :" يا بنيّ إن الله لم يأمرني بقتلها، وقد ضربت فأوجعت ".
٢٨٤
فصل إذا ثبت الزنا بإقراره فمتى رجع ترك، وقع به بعض الحد أو لم يقع (به)، لأنّ ماعزاً لما مسته الحجارة هرب، فقال عليه السلام :" هَلاَّ تركتموه ".
وقيل : لا يقبل رجوعه.
ويحفر للمرأة إلى صدرها، ولا يحفر للرجل، وإذا مات في الحدّ غُسِّل وكُفِّن وصُلِّيَ عليه ودفِن في مقابر المسلمين.
قوله :﴿إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ معناه : أن المؤمن لا تأخذه الرأفة إذا جاء أمر الله.
قوله :﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا﴾ أي : وليحضر " عَذَابَهُمَا " : حدهما إذا أقيم عليهما " طَائِفَةٌ " نفر من المؤمنين.
قال النخعي ومجاهد : أقله رجل واحد، لقوله تعالى :﴿وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ﴾ [الحجرات : ٩].
وقال عطاء وعكرمة : اثنان، لقوله تعالى :﴿فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ﴾ [التوبة : ١٢٢] وكل ثلاثة فرقة، والخارج عن الثلاثة واحد أو اثنان، والاحتياط يوجب الأخذ بالأكثر.
وقال الزهري وقتادة : ثلاثة فصاعداً، لأن الطائفة هي الفرقة التي تكون حافة حول الشيء، وهذه الصورة أقل ما لا بد في حصولها الثلاثة.
وقال ابن عباس :" إنَّها أربعة، عدد شهود الزنا "، وهو قول مالك وابن زيد.
وقال الحسن البصري : عشرة، لأنها العدد الكامل.
واعلم أن قوله :" وَلْيَشْهَد " أمر، وظاهره للوجوب، لكن الفقهاء قالوا : يستحب حضور الجمع، والمقصود منه : إعلان إقامة الحد لما فيه من الردع ودفع التهمة.
وقال الشافعي ومالك : يجوز للإمام أن يحضر رجمه وأن لا يحضر، وكذا الشهود لا يلزمهم الحضور.
وقال أبو حنيفة :" إن ثبت بالبينة وجب على الشهود أن يبدؤوا بالرمي، ثم الإمام، ثم الناس، وإن ثبت بالإقرار بدأ الإمام ثم الناس ".
٢٨٥
واحتج الشافعي بأن النبي - ﷺ - رجم ماعزاً والغامدية ولم يحضر رجمهما وأما تسميته عذاباً فإنه يدل على أنه عقوبة، ويجوز أن يسمى عذاباً لأنه يمنع المعاودة، كما يسمى نكالاً لذلك.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٢٧٤