أحدها : أنه تمييزٌ، وهذا فاسد، لأنَّ من ثلاثة إلى عشرة يضاف لمُمَيِّزه ليس إلا، وغير ذلك ضرورة.
الثاني : أنه حالٌ، وهو ضعيف أيضاً لمجيئها من النكرة من غير مخصِّصٍ.
الثالث : أنها مجرورة نعتاً لـ " أربعة "، ولم تنصرف لألف التأنيث.
فصل ظاهر الآية لا يدل على الشيء الذي رموا به المحصنات، وذكر الرمي لا يدل على الزنا، إذ قد يرميها بسرقة أو شرب خمر، بل لا بد من قرينة دالة على التعيين.
واتفق العلماء على أن المراد الرمي بالزنا، وفي دلالة الآية عليه وجوه : الأول : تقدم ذكر الزنا.
الثاني : أنه تعالى ذكر المحصنات وهن العفائف، فدل ذلك على أن المراد رميها بعدم العفاف.
الثالث : قوله :﴿ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ﴾ يعني : على صحة ما رموا به، وكون الشهود أربعة من شروط الزنا.
الرابع : الإجماع على أنه لا يجب الحد بالرمي بغير الزنا، فوجب أن يكون المراد هو الرمي بالزنا.
فصل شروط الإحصان خمسة : الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والعفة من الزنا، حتى أن من زنا مرة أول بلوغه ثم تاب وحسنت حالته منذ عمره، فقذفه قاذف لا حدّ عليه، فإن أقر المقذوف على نفسه بالزنا، أو أقام القاذف أربعة من الشهود على زناه سقط الحد عن القاذف، لأن الحد وجب للفرية، وقد ثبت صدقه.

فصل وألفاظ القذف : صريح، وكناية، وتعريض.


فالصريح : أن يقول : يا زانية، أو زنيت، أو زنا قُبُلُكِ أو دُبُرُكِ، فإن قال : زنا
٢٩١
يدك، فقيل : كناية، لأن حقيقة الزنا من الفرج، والصحيح أنه صريح، لأن الفعل يصدر بكل البدن، والفرج آلة.
والكناية : أن يقول : يا فاسقة، يا فاجرة، يا خبيثة، يا مؤاجرة، يا ابنة الحرام، أو لا ترد يد لامس، فلا يكون قذفاً إلا بالنية، وكذا لو قال لعربي : يا نبطي، أو بالعكس، فإن أراد القذف فهو قذف لأم المقول له، وإلا فلا.
فإن قال : عنيت نبطي الدار أو اللسان، وادعت أم المقول له إرادة القذف فالقول قوله مع يمينه.
والتعريض ليس بقذف وإن نواه، كقوله : يا ابن الحلال أما أنا فما زنيت وليست أمي بزانية، لأن الأصل براءة الذمة، فلا يجب بالشك، والحد يُدْرَأ بالشبهات.
وقال مالك : يجب فيه الحد.
وقال أحمد وإسحاق : هو قذف في حال الغضب دون الرضا.
فصل إذا قذف شخصاً واحداً مراراً، فإن أراد بالكل زنية واحدة وجب حدّ واحد، (فإن قال الثاني بعدما حد للأول عزر للثاني.
وإن قذفه بزناءين مختلفين كقوله : زنيت بزيد، ثم قال : زنيتِ بعمرو، فقيل : يتعدد اعتباراً باللفظ، ولأنه حقّ آدمي فلا يتداخل كالديون.
والصحيح أنه يتداخل لأنهما حدان من جنس واحد، فتداخل كحدود الزنا.
ولو قذف زوجته مراراً فالصحيح أنه يكفي بلعان واحد سواء قلنا بتعدد الحد أو لا.
وإن قذف جماعة بكلمة واحدة، فقيل : حدّ واحد)، لأن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء، فقال عليه السلام :" البينةُ أو حَدٌّ في ظهرك "، فلم
٢٩٢
يوجب على هلال إلا حداً واحداً مع أنه قذف زوجته بشريك.
وقيل : لكل واحد حدٌّ.
وإن كان بكلمات فلكل واحد حدّ.
فصل إذا قذف الصبي أو المجنون أو أجنبية فلا حد عليه ولا لعان، لا في الحال ولا بعد البلوغ، لقول عليه السلام :" رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلاث " ولكن يعزّران للتأديب إن كان لهما تمييز.
والأخرس إن فهمت إشارته أو كتابته وقذف بالإشارة أو بالكتابة لزمه الحد، ولذلك يصح لعانه بالإشارة والكتابة.
وأما العبد إذا قذف الحر، فقيل : يلزمه نصفُ الحد.
وقيل : الحد كله.
وأما الكافر إذا قذف المسلم فعليه الحد لدخوله في عموم الآية.
وإن كان المقذوف غير محصَن لم يجب الحد، بل يوجب التعزير إلا أن يكون المقذوف معروفاً بما قذف به فلا حدّ هناك ولا تعزير.
قوله :﴿ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ﴾ أي : يشهدون على زناهن ﴿فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَـائِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ قوله :﴿وَأُوْلَـائِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ يجوز أن تكون هذه الجملة مستأنفة، وهو الأظهر، وجوَّز أبو البقاء فيها أن تكون حالاً.
٢٩٣


الصفحة التالية
Icon