وقالوا : الاستثناء يرجع إلى الكل.
وعامة العلماء على أنه لا يسقط بالتوبة إلا أن يعفو عنه المقذوف فيسقط كالقصاص يسقط بالعفو ولا يسقط بالتوبة.
فإن قيل : إذا قبلتم شهادته بعد التوبة فما معنى قوله :" أبَداً " ؟ قيل : معناه : لا تقبل شهادته أبداً ما دام مصرًّا على قذفه، لأن أبد كل إنسان على ما يليق بحاله، كما يقال : لا تقبل شهادة الكافر أبداً، يراد : ما دام كافراً.

فصل اختلفوا في كيفية التوبة بعد القذف.


فقيل : التوبة منه إكذابه نفسه بأن يقول : كذبت فلا أعود إلى مثله.
وقيل : لا يقول كذبت، لأنه ربما يكون صادقاً، فيكون قوله :" كذبت " كذباً، والكذب معصية، وإتيان المعصية لا يكون توبة عن معصية أخرى، بل يقول : القذف باطل، ندمت على ما قلت ورجعت عنه ولا أعود إليه.
ولا بد من مضي مدة عليه بعد التوبة يحسن حاله فيها حتى تقبل شهادته، وقدر تلك المدة سنة حتى يمر عليه الفصول الأربعة التي تتغير فيها الأحوال والطباع كأجل العنِّين، وقد علق الشرع أحكاماً بالنسبة من الزكاة والجزية وغيرهما، وهذا معنى قوله :" وَأَصْلَحُوا "، ثم قال :﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أي يقبل التوبة.
لما ذكر أحكام قذف الأجنبيات عقبه بأحكام قذف الزوجات.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٢٨٩
قال ابن عباس : لما نزل قوله :﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ
٣٠٠
شُهَدَآءَ﴾
[النور : ٤] قال عاصم بن عدي الأنصاري :" إنْ دخل رجلٌ منا بيته فرأى رجلاً على بطن امرأته فإن جاء بأربعة رجال يشهدون بذلك فقد قضى الرجل حاجته وخرج، وإن قتله قتل به، وإن قال : وجدت فلاناً مع تلك المرأة ضرب، وإن سكت سكت عن غيظ، اللهم افتح.
وكان لعاصم هذا ابن عم يقال له : عُوَيْمِر، وله امرأة يقال لها : خولة بنت قيس، فأتى عويمر عاصماً فقال : لقد رأيت شريك بن سَحماء على بطن امرأتي خولة، فاسترجع عاصم وأتى رسول الله - ﷺ - فقال : يا رسول الله، ما أسرع ما ابتليت بهذا في أهل بيتي، فقال رسول الله - ﷺ - :" وما ذاك " ؟ فقال : أخبرني عويمر ابن عمي أنه رأى شريك بن سحماء على بطن امرأته خوله، فدعا رسول الله - ﷺ - لهم جميعاً، فقال لعويمر :" اتقِ اللَّهَ في زوجتكِ وابنة عمك، ولا تقذفها " فقال : يا رسول الله، تالله لقد رأيت شريكاً على بطنها، وإني ما قربتها منذ أربعة أشهر، وإنها حبلى من غَيري.
فقال لها رسول الله - ﷺ - " اتّقي اللَّهَ ولا تخبرِي إلا بما صنعتِ " فقالت : يا رسول الله، إن عويمر رجلٌ غيور، وإنه رأى شريكاً يطيل النظر ويتحدث، فحملته الغيرة على ما قال، فأنزل الله هذه الآية، فأمر رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم) بأن يؤذَّن : الصلاة جامعة، فصلى العصر ثم قال لعُوَيْمِر : قم وقل : أشهد بالله إنّ خولة لزانية وإني لمن الصادقين، ثم قال في الثانية : أشهد أني رأيت شريكاً على بطنها وإني لمن الصادقين، ثم قال في الثالثة : أشهد بالله أنها حبلى من غيري وإني لمنَ الصادقين، ثم قال في الرابعة قل أشهد بالله أنها زانية وأني ما قربتها منذ أربعة أشهر وإني لمن الصادقين، ثم قال في الخامسة : لعنة الله على عُوَيْمِر (يعني : نفسه) إن كان من الكاذبين.
ثم قال : اقعد، وقال لخولة : قومي، فقامت وقالت : أشهد بالله ما أنا بزانية وإن زوجي لمن الكاذبين، وقالت في الثانية : أشهد بالله ما رأى شريكاً على بطني وإنه لمن الكاذبين، وقالت في الثالثة : أشهد بالله ما أنا حُبْلى منه وإنه لمن الكاذبين، وقالت في الرابعة : اشهد بالله أنه ما رآني على فاحشة قط وإنه من الكاذبين، وقالت في الخامسة : غضب الله على خولة إن كان عُوَيْمر من الصادقين في قوله، ففرق النبي - ﷺ - بينهما ".
وفي رواية عكرمة عن ابن عباس " أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي - ﷺ -
٣٠١


الصفحة التالية
Icon