وأبو عمرو والكسائي وحمزة على أصولهم في إدغام الذال في التاء.
وقرأ أُبيّ :" تَتَلَقَّوْنَهُ " بتاءين، وتقدم أنها الأصل.
وقرأ ابن السميفع في رواية عنه :" تُلْقُونه " بضم التاء وسكون اللام وضم القاف مضارع : ألقى إلقاء.
وقرأ هو في رواية أخرى :" تَلْقَونه " بفتح التاء وسكون اللام وفتح القاف مضارع : لقي.
وقرأ ابن عباس وعائشة وعيسى وابن يعمر وزيد بن علي بفتح التاء وكسر اللام وضم القاف من ولق الرجل : إذا كذب.
قال ابن سيدة : جاءوا بالمتعدي شاهداً على غير المتعدي، وعندي أنه أراد : تلقون فيه، فحذف الحرف، ووصل الفعل للضمير، يعني : أنهم جاءوا بـ " تَلَقَّوْنَهُ " وهو متعد مفسراً بـ " تكذبون " وهو غير متعد، ثم حمله على ما ذكر.
وقال الطبري وغيره : إن هذه اللفظة مأخوذة من الوَلَق وهو الإسراع بالشيء بعد الشيء، كعَدْوٍ في إثْر عدو، وكلامٍ في إثر كلامٍ، يقال : ولق في سيره أي : أسرع، وأنشد :
٣٨٢٠ - جَاءَتْ بِهِ عِيسٌ مِنَ الشَّامِ تَلِقْ
وقال أبو البقاء : أي : يُسْرِعُون فيه، وأصله من " الولق " وهو الجنون.
وقرأ زيد بن أسلم وأبو جعفر :" تَأْلِقُونَهُ " بفتح التاء وهمزة ساكنة ولام مكسورة وقاف مضمومة من " الأَلَق " وهو الكَذِبُ.
وقرأ يعقوب :" تِيلَقُونه " بكسر التاء من فوق،
٣٢٥
بعدها ياء ساكنة ولام مفتوحة وقاف مضمومة، وهو مضارع " وَلِق " بكسر اللام، كما قالوا :" تيجل " مضارع " وَجِل ".
وقوله :" بِأَفْوَاهِكمْ " كقوله :" يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ " وقد تقدم.

فصل اعلم أن الله تعالى وصفهم بارتكاب ثلاثة آثام، وعلق مس العذاب العظيم بها.


أحدها : تلقي الإفك بألسنتهم، وذلك أن الرجل كان يلقى الرجل يقول له : ما وراءك ؟ فيحدثه بحديث الإفك حتى شاع واشتهر، ولم يبق بيت ولا ناد إلا طار فيه.
فكأنهم سعوا في إشاعة الفاحشة، وذلك من العظائم.
وثانيها : أنهم كانوا يتكلمون بما لا علم لهم به، وذلك يدل على أنه لا يجوز الإخبار إلا مع العلم، ونظيره :﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء : ٣٦].
وثالثها : أنهم كانوا يستصغرون ذلك، وهو عظيمة من العظائم.
وتدل الآية على أن القذف من الكبائر لقوله :﴿وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾، وتدل على أن الواجب على المكلف في كل محرم أن يستعظم الإقدام عليه.
ونبه بقوله :" وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً " على أن عمل المعصية لا يختلف بظن فاعله وحسبانه، بل ربما كان ذلك مؤكداً لعظمه.
فإن قيل : ما معنى قوله :" بِأَفوَاهِكُمْ " والقول لا يكون إلاّ بالفم ؟ فالجواب : معناه : أن الشيء المعلوم يكون علمه في القلب، فيترجم عنه باللسان، وهذا الإفك ليس إلا قولاً يجري على ألسنتكم من غير أن يحصل في القلب علم به كقوله :﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ [آل عمران : ١٦٧].
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٣٢٤
قوله :﴿وَلَوْلا اا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ﴾ كقوله :﴿لَّوْلا اا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ﴾ [النور : ١٢] ولكن الالتفات فيه قال الزمخشري : فإن قلت : كيف جاز الفصل بين (لولا) و(قلتم) بالظرف ؟ قلت :
٣٢٦
للظروف شأن ليس لغيرها، لأنها لا ينفك عنها ما يقع فيها، فلذلك اتسع فيها.
قال أبو حيان :" وهذا يوهم اختصاص ذلك بالظروف، وهو جائز في المفعول به، تقول : لولا زيداً ضربتُ، ولولا عَمْراً قتلتُ ".
وقال الزمخشري أيضاً : فإن قلت : أي فائدة في تقديم الظرف حتى أوقِعَ فاصلاً ؟ قلت : الفائدة فيه : بيان أنه كان الواجب عليهم أن يحترزوا أول ما سمعوا بالإفك عن التكلم به، فلما كان ذكر الوقت أهم وجب تقديمه.
فإن قلت : ما معنى " يكون " والكلام بدون مُتْلَئِب لو قيل : ما لنا أن نتكلم بهذا ؟ قلت : معناه : ينبغي ويصح، أي : ما ينبغي وما يصح كقوله :﴿مَا يَكُونُ لِى أَنْ أَقُولَ﴾ [المائدة : ١١٦].
فصل قوله :﴿وَلَوْلا اا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـاذَا سُبْحَانَكَ﴾ هذا اللفظ هنا معناه التعجب ﴿هَـذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ أي : كذب عظيم يبهت ويتحير من عظمته.
روي أن أم أيوب قالت لأبي أيوب الأنصاري : أما بلغك ما يقول الناس في عائشة ؟ فقال أبو أيوب :" سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ " فنزلت الآية على وفق قوله.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٣٢٦
قوله تعالى :﴿يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ...
الآية وهذا من باب الزواجر،
٣٢٧


الصفحة التالية
Icon