صحة القرآن الذي لم ينقل بالتواتر، وفتح هذين البابين يطرق الشك إلى كل القرآن وإنه باطل.
وروي عن الحسن البصري أنه قال :" إن في الكلام تقديماً وتاخيراً، فالمعنى : حتى تسلموا على أهلها وتستأنسوا ".
وهذا أيضاً خلاف الظاهر.
وفي قراءة عبد الله :﴿حَتَّى تُسَلِّمُوا وَتَسْتَأْذِنُوا﴾ وهو أيضاً خلاف الظاهر.
واعلم أن هذا نظير ما تقدم في الرعد :(في) ﴿أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا ااْ﴾ [الرعد : ٣١] وتقدم القول فيه.
والاستئناس : الاستعلام (والاستكشاف، من أنس الشيء : إذا أبصره، كقوله :﴿إِنِّى آنَسْتُ نَاراً﴾ [طه : ١٠]، والمعنى : حتى تستعلموا الحال، هل يراد دخولكم ؟ ) قال : ٣٨٢٥ - كَأَنَّ رَحْلِيَ وَقَدْ زَالَ النَّهَارُ بِنَا
يَوْمَ الجَلِيلِ على مُسْتَأْنِسٍ وَحَدِ
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٣٤١
وقيل : هو من " الإنْس " بكسر الهمزة، أي : يَتَعرَّف هل فيها إنْسٌ أم لا ؟ وحكى الطبري أنه بمعنى :" وَتُؤْنِسُوا أَنْفُسَكُمْ ".
قال ابن عطية : وتصريف الفعل يَأْبَى أن يكونَ مِنْ " أَنَس ".
٣٤٢
فصل قال الخليل : الاستئناس : الاستبصار من (أنس الشيء إذا أبصره) كقوله :" آنسْتُ نَاراً " أي : أبصرت.
وقيل : هو أن يتكلم بتسبيحة أو تكبيرة أو بتنحنح يؤذن أهل البيت.
وجملة حكم الآية أنه لا يدخل بيت الغير إلا بعد السلام والاستئذان.
واختلفوا : هل يقدم الاستئذان أو السلام ؟ فقيل : يقدم الاستئذان، فيقول : أأدخل ؟ سلام عليكم، لقوله :" حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا " أي : تستأذنوا ﴿وَتُسَلِّمُواْ عَلَى أَهْلِهَا﴾.
والأكثرون على أنه يقدم السلام فيقول : سلام عليكم، أأدخل ؟ ( " لما روي أن رجلاً دخل على النبي - ﷺ - ولم يسلم ولم يستأذن، فقال النبي - ﷺ - :" ارجع فقُل : السلام عليكم، أأدخل " ) وروى ابن عمر أن رجلاً استأذن عليه فقال : أأدخل ؟ فقال ابن عمر : لا، فأمر بعضهم الرجل أن يسلم، فسلَّم، فأذِنَ له.
وقيل إن وقع بصره على إنسان قدم السلام، وإلاّ قدم الاستئذان ثم يسلم.
والحكمة في إيجاب تقديم الاستئذان ألاَّ يهجم على ما لا يحل له أن ينظر إليه من عورة، أو على ما لا يحب القوم أن يعرفه من الأحوال.
فصل عدد الاستئذان ثلاثاً لما روى أبو هريرة قال : قال رسول الله - ﷺ - " الاستئذان ثلاثٌ، الأولى يستضيئون، والثانية يستصلحون، والثالثة يأذنون أو يردون " وعن أبي سعيد الخدري قال :" كُنت جالساً في مجلس الأنصار، فجاء أبو موسى فزعاً، فقلنا له : ما أفزعك ؟ فقال : أخبرني عمر أن آتيه فأتيته، فاستأذنت ثلاثاً، فلم يؤذن لي، فرجعت، فقال : ما منعك أن تأتيني ؟ فقلت : قد جئت فاستأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي، وقد قال عليه السلام - :" إذا استأذنَ أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع ".
فقال : لتأتيني (على هذا) بالبينة، أو لأعاقبنك، فقال أبو سعيد : لا يقوم معك إلا
٣٤٣
صغير القوم، قال : فقام أبو سعيد، فشهد له ".
وفي بعض الروايات أن عمر قال لأبي موسى : لم أتهمك، ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله.
وعن قتادة :" الاستئذانُ ثلاثةٌ : الأول ليسمع الحي، والثاني ليتهيأ، والثالث إن شاء أذن وإن شاء ردّ ".
وهذا من محاسن الآداب، لأنه في أول كرَّة ربما منعهم بعض الأشغال من الإذن، وفي الثانية ربما كان هناك ما يمنع، فإذا لم يجب في الثالثة يستدل بعدم الإذن على مانع.
ويجب أن يكون بين كل واحدة والأخرى وقت ما.
فأما قرع الباب بعنف، والصياح بصاحب الدار فذاك حرام، لأنه إيذاء، وكذا قصة بني أسد وما نزل فيها من قوله :﴿إَنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾ [الحجرات : ٤].
فصل في كيفية الوقوف على الباب روى أبو سعيد قال : استأذن رجلٌ على رسول الله - ﷺ - وهو مستقبل الباب، فقال عليه السلام :" لا تستأذِنْ وأنت مستقبلُ البابِ ".
" وروي أنه عليه السلام كان إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر، فيقول :" السلامُ عليكُمْ " وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور.
فصل كلمة " حَتَّى " للغاية، والحكم بعد الغاية يكون بخلاف ما قبلها، فقوله :﴿لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُواْ﴾ يقتضي جواز الدخول بعد الاستئذان وإن لم يكن من صاحب البيت إذن.
٣٤٤


الصفحة التالية
Icon