فصل فإن كانت المرأة ذات محرم بنسب أو رضاع فعورتها مع الرجل المحرم كعورة الرجل مع الرجل.


وقيل : عورتها ما لا يبدو عند المهنة، وهو قول أبي حنيفة.
وستأتي بقية التفاصيل - إن شاء الله تعالى - في تفسير الآية.
فصل فإن كانت المرأة مستمتعة كالزوجة والأمة التي يحل وطؤها فيجوز للزوج والسيد أن ينظر إلى جميع بدنها حتى الفرج، إلا أنه يكره النظر إلى الفرج وكذا إلى فرج نفسه، لأنه يروى أنه يورث الطمس.
وقيل : لا يجوز (النظر) إلى فرجها، ولا فرق فيه بين أن تكون الأمة قِنّ أو مدبرة أو أم ولد أو مرهونة.
فإن كانت مجوسية، أو مرتدة، أو وثنية، أو مشتركة بينه وبين غيره، أو مزوجة، أو مكاتبة فهي كالأجنبية لقول النبي - ﷺ - :" إذا زوَّج أحدُكُم جاريتَه عبدَه أو أجيره فعورته معها ما بين السرة والركبة ".
فصل فأما عورة الرجل مع المرأة فلا يجوز لها قصد النظر عند خوف الفتنة، ولا تكرير النظر إلى وجهه " لما روت أم سلمة أنَّها كانت عند رسول الله - ﷺ - وميمونة، إذ أقبل ابن أم مكتوم، فقال :" احتجبَا عنه " فقالت : يا رسول الله، أليس هو
٣٥٣
أعمى لا يبصرُنا ؟ فقال عليه السلام :" أَفعمياوان أنْتُمَا ؟ ألستما تبصرانه " ؟.
وإن كان محرماً لها فعورته ما بين السرة والركبة.
وإن كان زوجها أو سيدها الذي له وطؤها فلها أن تنظر إلى جميع بدنه، غير أنه يكره النظر إلى الفرج كهو معها.
فصل ولا يجوز للرجل أن يجلس عارياً في بيت خالٍ وله ما يستر عورته، لأنه عليه السلام سئل عنه فقال :" الله أحق أن يُسْتَحيَى منه " وقال عليه السلام :" إيَّاكُمْ والتَّعَرِّي، فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط وحين يفضي الرجل إلى أهله ".
قوله :" وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ " أي : عما لا يحل.
وقال أبو العالية : كلُّ ما في القرآن من حفظ الفرج فهو عن الزنا والحرام إلا في هذا الموضع فإنه أراد به الاستتار حتى لا يقع بصر الغير عليه.
وهذا ضعيف، لأنه تخصيص من غير دليل، والذي يقتضيه الظاهر حفظ الفروج عن سائر ما حرم عليهما من الزنا واللمس والنظر.
قوله :﴿ذالِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾.
أي : غض البصر وحفظ الفرج أزكى لهم، أي : خير لهم وأطهر ﴿إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ عليمٌ بما يفعلون.
قوله :﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ الكلام فيه كما تقدم وقدم غض البصر على حفظ الفرج لأن النظر بريد الزنا، والبلوى فيه أشد وأكثر، ولا يكاد يقدر على الاحتراز منه.
قوله :﴿وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ أي : لا يظهرن زينتهن لغير محرم، والمراد بالزينة : الخفية، وهما زينتان : خفية وظاهرة.
فالخفية : مثل الخلخال والخضاب في الرِّجْل،
٣٥٤
والسوار في المعصم، والقرط والقلائد، فلا يجوز لها إظهارها، ولا للأجنبي النظر إليها.
والمراد بالزينة : موضع الزينة.
وقيل : المراد بالزينة : محاسن الخَلْق التي خلقها الله، وما تزين به الإنسان من فضل لباس، لأن كثيراً من النساء ينفردن بخَلْقِهِنَّ من سائر ما يُعَدُّ زينة، فإذا حملناه على الخِلْقَة وفينا العموم حقه، ولا يمنع دخول ما عدا الخِلْقة فيه، ولأنَّ قوله :﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ يدل على أن المراد من الزينة ما يعم الخِلْقة وغيرها، فكأنها تعالى منعهن من إظهار محاسن خلقهن، موجباً سترها بالخمار.
قوله :﴿إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾.
أما الذين حملوا الزينة على الخلقة فقال القفال : معنى الآية : إلا ما يظهره الإنسان في العادة، وذلك من النساء : الوجه والكفان، ومن الرجال : الوجه واليدان والرجلان، فرخص لهم في كشف ما اعتيد كشفه، وأدت الضرورة إلى إظهاره، وأمرهم بستر ما لا ضرورة في كشفه.
ولما كان ظهور الوجه والكفين ضرورة لا جرم اتفقوا على أنهما ليسا بعورة.
وأما القدم فليس ظهوره ضرورياً فلا جرم اختلفوا فيه هل هو من العورة أم لا ؟ والصحيح أنه عورة.
وفي صوتها وجهان : أصحهما ليس بعورة، لأن نساء النبي - عليه السلام - كن يروين الأخبار للرجال.
وأما الذين حملوا الزينة على ما عد الخلقة، قالوا : إنه تعالى إنما ذكر الزينة لأنه لا خلاف في أنه يحل النظر إليها حال (انفصالها عن أعضاء المرأة، فلما حرم الله النظر إليها حال) اتصالها ببدن المرأة كان ذلك مبالغة في حرمة النظر إلى أعضاء المرأة.
وعلى هذا القول يحل النظر إلى زينة وجهها من الوَشمَة والغُمْرَة، وزينة بدنها من
٣٥٥


الصفحة التالية
Icon