وقال ابن جريج : المراد من الآية : الإماء دون العبيد، وأن قوله :﴿أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ أنه لا يحل لامرأةٍ مسلمة أن تتجرد بين امرأة مشركة إلا أن تكون تلك المشركة أمةً لها.
قوله :﴿أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ﴾.
قرأ ابن عامر وأبو بكر :" غَيْرَ " نصباً، وفيها وجهان : أحدهما : أنه استثناء.
وقيل : على القطع، لأن " التَّابِعِينَ " معرفة و " غَيْر " نكرة.
والثاني : أنه حال.
والباقون :" غيرِ " بالجر نعتاً، أو بدلاً، أو بياناً.
والإِرْبَةُ : الحاجةُ.
وتقدم اشتقاقها في " طه ".
(قوله :" مِنَ الرِّجَالِ " حال من " أُولِي " ).
فصل المراد بـ ﴿التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ﴾.
قال مجاهد وعكرمة والشعبي : هم الذين يتبعون القوم ليصيبوا من فضل طعامهم، لا همة لهم إلا ذلك، ولا حاجة لهم في النساء.
وعن ابن عباس : أنه الأحمق العنين.
وقال الحسن :" هو الذي لا ينتشر ولا يستطيع غشيان النساء ولا يشتهيهن ".
وقال سعيد بن جبير : المعتوه.
وقال عكرمة : المجبوب.
وقيل : هو
٣٥٩
المخنّث.
وقال مقاتل : هو الشيخ الهم والعنِّين والخَصِيّ والمجبوب ونحوه.
واعلم أن الخَصِيّ والمجبوب ومن يشاكلهما قد لا يكون له إربة في نفس الجماع، ويكون له إربة فيما عداه من التمتع، وذلك يمنع من أن يكون هو المراد، فيجب أن يحمل المراد على من لا إربة له في سائر وجوه التمتع لما روت عائشة قالت :" كانَ رجلٌ مخنَّثٌ يدخل على أزواج - النبي ﷺ - فكانوا يَعدُّونه من غير أولي الإربة، فدخل النبي - ﷺ - يوماً وهو عند بعض نسائه، وهو ينعت امرأة فقال : إنها إذا أقبلت أقبلت بأربع، وإذا أدبرت أدبرت بثمانٍ.
فقال النبي - ﷺ - :" أَلاَ أرى هذا يعلم ما هَهُنا، لا يَدْخُلَنَّ هَذا " فحجبوه ".
وفي رواية عن زينب بنت أم سلمة " أن النبي - ﷺ - دخلَ عليها وعندها مخنَّث، فأقبل على أخي أم سلمة، فقال :" يا عبد الله، إن فتح الله غداً لكم الطائف دللتك على بنت غيلان، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان ".
فقال عليه السلام :" لا يدخُلَنَّ عليكم هذا " فأباح رسول الله - ﷺ - دخول المخنث عليهن، فلما علم أنه يعرف أحوال النساء وأوصافهنَّ علم أنه من أولي الإربة، فحجبه.
وفي الخَصِيّ والمجبوب ثلاثة أوجه : أحدها : استباحة الزينة الباطنة.
والثاني : تحريمها.
(والثالث : تحريمها) على المَخْصِيّ دون المجبوب.
قوله :﴿أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَآءِ﴾.
تقدم في الحج أن الطفل يطلق على المثنى والمجموع، فلذلك وصف بالجمع.
وقيل : لما قصد به الجنس روعي فيه الجمع كقولهم :" أَهْلَكَ النَّاسَ الدِّينَار الحمْر والدِّرْهَمُ البِيضُ ".
و " عَورَاتِ " جمع عَوْرَةٍ، وهو ما يريد الإنسان ستره من بدنه، وغلب في السَّوأَتَيْن.
والعامة على " عوْرات " بسكون الواو، وهي لغة عامة العرب،
٣٦٠
سكنوها تخفيفاً لحرف العلة.
وقرأ ابن عامر في رواية " عَوَرَاتِ " بفتح الواو.
ونقل ابن خالويه أنها قراءة ابن أبي إسحاق والأعمش، وهي لغة هذيل بن مدركة.
قال الفراء : وأنشد في بعضهم : ٣٨٢٨ - أَخُو بَيَضَاتٍ رائِحٌ مُتَأوِّبٌ
رَفِيقٌ بمَسْحِ المَنْكبَيْنِ سَبوح
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٣٤٩
وجعلها ابنُ مجاهد لحناً وخطأ، يعني : من طريق الرواة، وإلا فهي لغة ثانية.
(فصل) الظهور على الشيء يكون بمعنى العلم به، كقوله تعالى :﴿إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ﴾ [الكهف : ٢٠] أي : يشعروا بكم.
ويكون بمعنى الغلبة عليه، كقوله :" فَأَصْبَحُوا ظَاهِرينَ ".
فلهذا قال مجاهد وابن قتيبة : معناه : لم يطلعوا على عورات النساء، ولم يعرفوا العورة من غيرها من الصغر.
وقال الفراء والزجاج : لم يبلغوا أن يطيقوا إتيان النساء.
وقيل : لم يبلغوا حدّ الشهوة.
٣٦١


الصفحة التالية
Icon