محضة، لأن ما في يد العبد ملك للسيّد، والإنسان لا يبيع ملكه بملكه، بل قوله :" كاتبتك " كناية في العتق، فلا بد من لفظ التعليق أو نيته.
فصل لا تجوز الكتابة الحالّة، لأن العبد ليس له ملك يؤديه في الحال، وإذا عقدت حالّة توجهت المطالبة عليه في الحال، فإذا عجز عن الأداء لم يحصل العقد، كما لو أسلم في شيء لا يوجد عند المحل لا يصح، بخلاف ما لو أسلم إلى معسر فإنه يجوز لأنه يتصور أن يكون له ملك في الباطن، فالعجز لا يتحقق.
وقال أبو حنيفة : تجوز لقوله تعالى " فكاتبوهم "، وهو مطلق يتناول الكتابة الحالة والمؤجلة.
وأيضاً فمال الكتابة بدل عن الرقبة، فهو بمنزلة أثمان السلع المبيعة، فتجوز حالة.
وأيضاً فأجمعوا على جواز العتق مطلقاً على مال حال، فالكتابة مثله لأنه بدل عن العتق في الحالين، إلا أن في أحدهما العتق معلق على شرط العبادة وفي الآخر معجل، فوجب أن لا يختلف حكمهما.
فصل لا تجوز الكتابة على أقل من نجمين، لأنه يروى عن عليّ وعثمان وابن عمر، روي أن عثمان غضب على عبده فقال :" لأضيقن عليك، ولأكاتبنك على نجمين " ولو جاز على أقل من ذلك لكاتبه على الأقل، لأن التضييق فيه أشد، وإنما شرطنا التنجيم، لأنه عقد إرفاق، ومن شرط الإرفاق : التنجيم ليتيسر عليهم الأداء.
وقال أبو حنيفة : تجوز الكتابة على نجم واحد، لأن ظاهر قوله :" كاتبوهم " ليس فيه تقييد.

فصل يشترط أن يكون المكاتب بالغاً عاقلاً.


فإن كان صبياً أو مجنوناً لم تصح كتابته لقوله تعالى :﴿وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ﴾ والابتغاء لا يتصور من الصبي والمجنون.
وقال أبو حنيفة : تجوز كتابة الصبي، ويقبل عنه (المولى).

فصل ويشترط أن يكون السيد مكلفاً مطلقاً.


فإن كان صبياً أو محجوراً عليه لسفه لم
٣٧١
تصح كتابته، كما لا يصح بيعه، لأن قوله :" فَكَاتِبُوهُمْ " خطاب، فلا يتناول غير المكلف.
وقال أبو حنيفة : تصحّ كتابة الصبيّ بإذن الوليّ.
فصل اختلفوا في قوله تعالى :" فكاتبوهم " هل هو أمر إيجاب أو ندب ؟ فقيل : أمر إيجاب، فيجب على السيد أن يكاتب مملوكه إذا سأله ذلك بقيمته أو أكثر إذا علم فيه خيراً، فإن سأله بدون قيمته لم يلزمه، وهذا قول ابن دينار وعطاء، وإليه ذهب داود بن عليّ ومحمد بن جرير لظاهر الآية، وأيضاً فلأن سبب نزولها إنما نزلت في غلام لحويطب بن عبد العزى يقال له :" صبيح " سأل مولاه أن يكاتبه، فأبى عليه، فنزلت الآية، فكاتبه على مائة دينار ووهب له منها عشرين ديناراً وروي أن عمر أمر أنساً بأن يكاتب سيرين (أبا محمد بن سيرين) فأبى، فرفع عليه الدِّرَّة وضربه، وقال :" فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهمْ خَيْراً " وحلف عليه ليكاتبنه، ولو لم يكن واجباً لكان ضربه بالدرة ظلماً، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة، فجرى ذلك مجرى الإجماع.
وقال أكثر الفقهاء : إنه أمر استحباب، وهو ظاهر قول ابن عباس والحسن والشعبي، وإليه ذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي والثوري وأحمد لقوله عليه السلام :" لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه " ولأنه لا فرق بين أن يطلب الكتابة أو يطلب بيعه ممن يعتقه في الكفارة، فكما لا يجب ذلك فكذا الكتابة فإن قيل : كيف يصح أن يبيع ماله بماله ؟ فالجواب : إذا ورد الشرع به جاز، كما إذا علق عتقه على مال يكسبه فيؤديه أو يؤدى عنه صار سبباً لعتقه.
فإن قيل : هل يستفيد العبد بعقد الكتابة ما لا يملكه لولا الكتابة ؟ فالجواب : نعم، لأنه لو دفع إليه الزكاة قبل الكتابة لم يحل له أخذها، وإذا صار
٣٧٢


الصفحة التالية
Icon