قوله تعالى :﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ الآية.
هذه جملة من مبتدأ وخبر، إما على حذف مضاف، أي : ذو نور السموات والمراد بالنور : عَدْلُهُ، ويؤيد هذا قوله :" مَثَلُ نُورِهِ " وأضاف النور لهذين الظرفين إما دلالة على سَعَةِ إِشْرَاقِهِ، وَفشُوّ إضاءته حتى تضيء له السمواتُ والأرضُ، وإمَّا لإرادة أهل السموات والأرض، وأنهم يَسْتَضِيئُونَ به.
ويجوز أن يُبَالَغَ في العبادة على سبيل المدح كقولهم : فلان شَمْسُ البلادِ وقمرُها قال النابغة : ٣٨٣١ - فإِنَّك شَمْسٌسٌ والمُلُوكُ كَوَاكِبٌ
إذَا ظَهَرتْ لم يَبْدُ مِنْهُنَّ كَوْكَبُ
وقال (آخر) :
٣٨٣٢ - قَمَرُ القَبَائِلِ خَالِدُ بن يزيد
ويجوز أن يكون المصدر واقعاً اسم الفاعل، أي : مُنَوِّرُ السَّمواتِ.
ويؤيد هذا الوجهَ قراءة أمير المؤمنين وزيد بن علي وأبي جعفر وعبد العزيز المكي :" نَوَّر " فعلاً ماضياً، وفاعله ضمير الباري تعالى، " السموات " مفعوله، وكَسْرُهُ نَصْبٌ، و " الأَرْضُ " بالنصب نَسَقٌ عليه.
وفَسَّرَهُ الحسنُ فقال :" اللَّهُ مُنوِّرُ السَّمواتِ ".
٣٨٠
فصل قال ابن عباس : هادي أهل السموات والأرض، فهم بنوره إلى الحق يهتدون، وبهداه من حيرة الضلالة ينجون.
وقال الضحاك : منوِّر السموات والأرض، يقال : نوّر الله السماء بالملائكة ونوّر الأرض بالأنبياء.
وقال مجاهد : مدبر الأمور في السموات والأرض.
وقال أبي بن كعب والحسن وأبو العالية : مزَيّن السموات والأرض، زين السماء بالشمس والقمر والنجوم، وزين الأرض بالأنبياء والعلماء والمؤمنين.
وقيل : بالنبات والأشجار.
وقيل : معناه : الأنوار كلها منه، كما يقال : فلان رحمة، أي : منه الرحمة.
وقد يذكر هذا اللفظ على طريق المدح، كقول القائل : ٣٨٣٣ - إذا سارَ عبدُ اللَّهِ من مَرْوَ لَيْلَةً
فقد سارَ منها نورُها وجمالُها
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٣٨٠
قوله :﴿مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ﴾ مبتدأ وخبر، وهذه الجملة إيضاحٌ وتفسيرٌ لِمَا قبلها، فلا محلَّ لها، وثمَّ مُضَاف محذوف، أي : كَمَثَلِ مِشْكَاةٍ.
قال الزمخشري : أي : صفةُ نُورِهِ العجيبةُ الشأنِ في الإضاءة " كَمِشْكَاةٍ " أي : كصفة (مشكاة).
واختلفوا في الضمير في " نُورِهِ " : فقيل : هو الله تعالى، أي : مثل نور الله - عزَّ وجلَّ - في قلب المؤمن، وهو النور الذي يهتدى به، كما قال :﴿فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ﴾ [الزمر : ٢٢].
وكان ابن مسعود يقرأ " مَثَلُ نُورِهِ فِي قَلْبِ المُؤْمِن " وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس :" مثل نوره الذي أعطى المؤمن " وعلى هذا المراد بالنور : الإيمان، والآيات البيّنات.
وقيل : يعود على المؤمنين أو المؤمن، أو من آمن به، أي مثل نور قلب المؤمن.
وكان أبيّ يقرأ بهذه الألفاظ كلها، وأعاد الضمير على ما قرأ به.
والمراد بالنور : الإيمان
٣٨١
والقرآن لقوله تعالى :﴿قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ﴾ [المائدة : ١٥] يعني : القرآن.
وقال سعيد بن جبير والضحاك : الضمير يعود على محمد - ﷺ - ولم يتقدم لهذه الأشياء ذِكْر.
وأما عوده على المؤمنين في قراءة أبيّ، ففيه إشكال من حيث الإفراد.
قال مكّيٌّ : يُوقَف على الأرض في هذه الأقوال الثلاثة.
وقيل : أراد بـ " النور " الطاعة، سمى طاعة الله نوراً، وأضاف هذه الأنوار إلى نفسه تفضيلاً.
فصل واختلفوا في هذا التشبيه :(هل هو) تشبيه مركب، أي : أنه قصد تشبيه جملة بجملة من غير نظر إلى مقابلة جزء بجزء، بل قصد تشبيه هُدَاهُ وإتْقَانهُ صُنْعَتَهُ في كل مخلوق على الجملة بهذه الجملة من النور الذي يتخذونه، وهو أبلغ صفات النور عندكم أو تشبيه غير مركب، أي : قصد مقابلة جزء بجزء.
ويترتب الكلام فيه بحسب الأقوال في الضمير في " نورِهِ ".
و " المِشْكَاةُ " : الكُوَّةُ غير النَّافِذة.
وهل هي عربية أم حبشيّة مُعَرَّبَةٌ ؟ خلاف.
قال مجاهد :" هي القنديل ".
وقيل : هي الحديدةُ أو الرَّصاصةُ التي يُوضع فيها الذُّبالُ، وهو الفتيل، ويكون في جوف الزجاجة.
وقيل : هي العمود الذي يوضع على رأسه المصباح.
وقيل : ما يعلق منه القنديل من الحديدة.
وأمال " المِشْكَاة " الدُّوري عن الكسائي لِتقدُّم الكسر وإن
٣٨٢


الصفحة التالية
Icon