وقال محمد بن كعب القرظي : المشكاة : إبراهيم، والزجاجة : إسماعيل والمصباح محمد - ﷺ - سماه الله مصباحاً كما سماه سراجاً فقال " وسراجاً منيراً " ﴿يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾ وهي إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وسماه مباركاً، لأن أكثر الأنبياء من صلبه ﴿لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ﴾ أي لم يكن إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً، ولكن كان حنيفاً، لأن اليهود تصلي قبل المغرب والنصارى قبل المشرق ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِى ءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ﴾ يكاد محاسن محمد - ﷺ - تظهر للناس من قبل أن يوحى إليه، ﴿نُّورٌ عَلَى نُورٍ﴾ نبي من نسل نبي (نور محمد على نور إبراهيم).
قوله :﴿نُّورٌ عَلَى نُورٍ﴾ خبر مبتدأ مضمر أي : ذلك نور، و " عَلَى نُورٍ " صفة لـ " نُورٌ ".
والمعنى : أن القرآن نور من الله - عزَّ وجلَّ - لخلقه مع ما أقام لهم من الدلائل والأعلام قبل نزول القرآن، فازدادوا بذلك نوراً على نور.
﴿يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ﴾.
قال ابن عباس :" لدين الإسلام، وهو نور البصيرة ".
وقيل : القرآن.
(قال إن
٣٩٠
المؤمن يتقلب في خمسة أنوار : قوله نور، وعمله نور، ومدخله نور، ومخرجه نور، ومصير إلى نور).
واستدل أهل السنة بهذه الآية على صحة مذهبهم فقالوا :" إنه تعالى بعد أن بين أن هذه الدلائل التي بلغت في الظهور والوضوح إلى هذا الحد الذي لا يمكن الزيادة عليه، قال :" يَهْدِي اللَّهُ " بإيضاح هذه الأدلة ﴿لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ﴾ أي : وضوح هذه الدلائل لا يكفي ولا ينفع ما لم يخلق الله الإيمان ".
قوله :﴿وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ﴾ يبين الله الأشباه للناس، أي : للمكلفين، تقريباً لأفهامهم، وتسهيلاً لنيل الإدراك.
﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ﴾ وهذا كالوعيد لمن لا يعتبر ولا يتفكر في أمثاله، ولا ينظر في أدلته فيعرف وضوحها وبعدها عن الشبهات.
قالت المعتزلة : قوله تعالى ﴿وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ﴾ ذكره في معرض النعمة، وإنما يكون نعمة عظيمة لو أمكنكم الانتفاع به وتقدم جوابه.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٣٨٠
قوله تعالى :﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ﴾ الآية.
واعلم أن قوله :" فِي بُيُوتٍ " يقتضي محذوفاً يكون فيها، وذكروا فيه ستّة أوجه : أحدها : أن قوله :" في بُيُوتٍ " صفة لـ " مِشْكَاةٍ " أي كَمِشْكَاةَ في بُيُوتٍ، أي : في بيتٍ من بُيُوت الله.
(الثاني : أنه صفة لـ " مصباح " ) وهذا اختيار أكثر المحققين.
واعترض عليه أبو مسلم بن بحر الأصفهاني من وجهين : الأول : أن المقصود من ذكر " المصباح " المثل، وكون المصباح في بيت أذن الله لا يزيد في هذا المقصود، لأن ذلك لا يزيد المصباح إنارة وإضاءة.
٣٩١
والثاني : أن الذي تقدم ذكره في وجوه يقتضي كونه واحداً، كقوله :" كَمشْكَاةٍ " وقوله :" فيهَا مِصْبَاحٌ " وقوله :" فِي زُجَاجَةٍ " وقوله :﴿كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ﴾ [النور : ٣٥]، ولفظ " البُيُوت " جمع، ولا يصح كون هذا الواحد في كل البيوت.
وأجيب عن الأول : أن المصباح الموضوع في الزجاجة الصافية إذا كان في المساجد كان أعظم وأضخم، فكان أضوأ، فكان التمثيل به أتم وأكمل.
وعن الثاني : أنه لما كان القصد بالمثل هذا الذي له هذا الوصف فيدخل تحته كل مشكاة فيها مصباح في زجاجة يتوقد من الزيت، فتكون الفائدة في ذلك أن ضوءه يظهر في هذه البيوت بالليالي عند الحاجة إلى عبادة الله تعالى، كقوله :" الذي يصلح لخدمتي رجل يرجع إلى علم وقناعة يلزم بيته " لكان وإن ذكر بلفظ الواحد، فالمراد النوع، فكذا ههنا.
الثالث : أنه صفة لـ " زجاجة "..
الرابع : أنه يتعلق بـ " يُوقَدُ " أي : يُوقَد في بيوت، والبيوت هي المساجد قال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : المساجد بيوت الله في الأرض، وهي تضيء لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الأرض.
وعلى هذه الأقوال الأربعة لا يوقف على " عَلِيمٌ ".
الوجه الخامس : أنه متعلق بمحذوف كقوله :﴿فِي تِسْعِ آيَاتٍ﴾ [النمل : ١٢] أي : سبحوه في بيوت.
السادس : أنه متعلق بـ " يُسَبِّحُ " أي : يسبح رجال في بيوت، و " فيهَا " تكرير للتوكيد كقوله :﴿فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [هود : ١٠٨] وعلى هذين القولين فيوقف على " عَلِيمٌ ".
قوله :" أَذِنَ اللَّهُ " في محل جر صفة لـ " بُيُوت "، و " أَنْ تُرْفَع " على حذف الجار، أي : في أن ترفع.
ولا يجوز تعلق " فِي بُيُوتٍ " بقوله :" وَيُذْكرَ " لأنه عُطِفَ
٣٩٢


الصفحة التالية
Icon