الثاني : أنه بدلٌ من " مَرَّاتٍ " فيكون في محل جرّ.
الثالث : أنه خبرُ مبتدأ مضمر، أي : هي من قَبْلُ، أي : تلكَ المرات، فيكون في محل رفع.
وقوله :" وَحِينَ تَضَعُونَ " عطف على محل ﴿مِّن قَبْلِ صَلَواةِ الْفَجْرِ﴾.
قوله :" من الظَّهِيرةِ " فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنَّ " مِنْ " لبيان الجنس، أي : حين ذلك الذي هو الظهيرة.
الثاني : أنها بمعنى " في " أي : تضعونها في الظهيرة.
الثالث : أنها بمعنى اللام، (أي) : من أجل حرّ الظهيرة.
وقوله :﴿وَمِن بَعْدِ صَلَواةِ الْعِشَآءِ﴾ : عطف على ما قبله.
والظَّهيرةُ شِدّةُ الحرِّ، وهو انتصاف النهار.
قوله :" ثلاث عورات ".
قرأ الأخوان وأبو بكر :" ثَلاَثَ " نصباً.
والباقون رفعاً.
فالأولى تحتمل ثلاثة أوجه : أظهرها : أنها بدلٌ من قوله :" ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ".
قال ابن عطية : إنما يصح البدلُ بتقدير : أوقاتُ ثلاث عوراتٍ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.
وكذا قدره الحوفي والزمخشري وأبو البقاء، ويحتمل أنه جعل نفس ثلاث المرات نفس ثلاث العورات مبالغة فلا يحتاج إلى حذف مضاف، وعلى هذا الوجه - أعني : وجه البدل - لا يجوز الوقف على ما قبل " ثَلاَثَ عَوْرَاتٍ " لأنه بدل منه وتابع له، ولا يوقف على المتبوع دون تابعه.
٤٤٩
الثاني : أنَّ " ثَلاَثَ عَوْراتٍ " بدل من الأوقات المذكورة، قاله أبو البقاء.
يعني قوله :﴿مِّن قَبْلِ صَلَواةِ الْفَجْرِ﴾ وما عُطِفَ عليه، ويكون بدلاً على المحل، فلذلك نصب.
الثالث : أن ينْتصب بإضمار فعل.
فقدره أبو البقاء :" أعني " وأحسن من هذا التقدير : اتقوا، أو احذروا ثلاث.
فأمّا الثانية : فـ " ثَلاَثُ " خبر مبتدأ محذوف تقديره :" هُنَّ ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ ".
وقدره أبو البقاء مع حذف مضاف، فقال : أي : هي أوقات ثلاث عورات، فحذف المبتدأ والمضاف.
قال شهاب الدين : وقد لا يحتاجُ إليه على جعلِ العَوْرات نَفْسَ الأوقاتِ مبالغةً، وهو المفهوم من كلام الزمخشري، وإن كان قد قدَّر مضافاً، كما تقدم عنه.
قال الزمخشري : ويسمى كل واحد من هذه الأحوال عَوْرةً، لأنَّ الناس يختل تسترهم وتحفظُهم فيها.
والعَوْرةُ : الخللُ، ومنه أعور الفارسُ، وأعور المكانُ.
والأعور : المختل العين.
فهذا منه يؤذن بعدم تقدير " أوقاتٍ " مضاف لـ " عوراتٍ " بخلاف كلامه أولاً فيؤخذ من مجموع كلاميه وجهان.
وعلى قراءة الرفع وعلى الوجهين قبلها في تخريج قراءة النصب يوقف على ما قبل " ثَلاَثَ عوراتٍ " لأنها ليست تابعة لما قبلها.
وقرأ الأعمش :" عَورَاتٍ " بفتح الواو، وهي لغة هذيل وبني تميم، يفتحون عين " فَعْلاء " واواً أو ياءً، وأنشد : ٣٨٥٦ - أَخُو بَيَضَاتٍ رَائِحٌ مُتَأَوِّبٌ
رَفِيقٌ بِمَسْحِ المِنْكَبَيْنِ سَبُوحُ
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٤٤٦

فصل المعنى : يستأذنوا في ثلاثة أوقات : من قبل صلاة الفجر، ووقت القيلولة، ومن بعد


٤٥٠
صلاة العشاء.
وخصَّ هذه الأوقات لأنها ساعات الخلوة ووضع الثياب، فربما يبدو من الإنسان ما لا يحب أن يراه أحد من العبيد والصبيان، فأمرهم بالاستئذان في هذه الأوقات، فأما غيرهم فيستأذنون في جميع الأوقات.
وسميت هذه الأوقات عورات لأن الإنسان يضع فيها ثيابه فتبدو عورته.
فصل قال بعضهم : إن قوله تعالى :﴿ يا أيها الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَى أَهْلِهَا﴾ [النور : ٢٧] يدل على أنّ الاستئذان واجب في كل حال، فنسخ بهذه الآية في غير هذه الأحوال الثلاثة.
قال ابن عباس : لم يكن للقوم ستور ولا حجاب، وكان الخدم والولائد يدخلون، فربما يرون منهم ما لا يحبون، فأمروا بالاستئذان، وقد بسط الله الرزق، واتخذ الناس الستور، فرأى أن ذلك أغنى عن الاستئذان.
وقال آخرون : الآية الأولى أريد بها المكلف، لأنه خطاب لمن آمن، والمراد بهذه الآية غير المكلف، لا يدخل في بعض الأحوال إلاّ بإذن، وفي بعضها بغير إذن، ولا وجه للنسخ.
فإن قيل : قوله :﴿الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـانُكُمْ﴾ يدخل فيه من بلغ، فالنسخ لازم ؟ فالجواب أن قوله تعالى :﴿ يا أيها الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُواْ﴾ [النور : ٢٧] لا يدخل تحته العبيد والإماء، فلا يجب النسخ.
قال أبو عبيد : لم يصر أحد من العلماء إلى أن الأمر بالاستئذان منسوخ.
وروى عطاء عن ابن عباس أنه قال : ثلاث آيات من كتاب الله تركهن الناس لا أرى أحداً يعمل بهن، قال عطاء : حفظت آيتين ونسيت واحدة، وقرأ هذه الآية، وقوله ﴿ يا أيها النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى ﴾ [الحجرات : ١٣] ذكر سعيد بن جبير أن الآية الثالثة :﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى...
[النساء : ٨] الآية.
٤٥١


الصفحة التالية
Icon