يتقذرون منهم ويكرهون مؤاكلتهم، ويقول الأعمى : ربما أكل أكثر، ويقول الأعرج : ربما أخذ مكان اثنين، فنزلت هذه الآية ".
وقال مجاهد : نزلت هذه الآية (ترخيصاً لهؤلاء في الأكل من بيوت من سمى الله بهذه الآية) لأن هؤلاء كانوا يدخلون على الرجل لطلب العلم، فإذا لم يكن عنده ما يطعمهم ذهب بهم إلى بيوت آبائهم وأمهاتهم، أو بعض من سمى الله - عزَّ وجلَّ - في هذه الآية، فكان أهل الزمانة يتحرجون من ذلك الطعام ويقولون : ذهب بنا إلى بيت غيره، فأنزل الله هذه الآية وقال سعيد بن المسيب : كان المسلمون إذا غزوا اختلفوا منازلهم ويدفعون إليهم مفاتيح أبوابهم، ويقولون : قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا، فكانوا يتحرجون من ذلك ويقولون : لا ندخلها وهم غيب، فأنزل الله هذه الآية رخصة لهم.
وقال الحسن : نزلت الآية رخصة لهؤلاء في التخلف عن الجهاد، وقال : تم الكلام عند قوله :﴿وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ﴾ وقوله تعالى :" وَعَلى أَنْفسكُمْ " كلام منقطع عما قبله.
وقيل : لما نزل قوله :﴿وَلاَ تَأْكُلُوا ااْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ [البقرة : ١٨٨] قالوا : لا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد، فأنزل الله - عزَّ وجلَّ - :﴿وَلاَ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ﴾، أي : لا حرج عليكم أن تأكلوا من بيوتكم، نسب بيوت الأولاد إلى الآباء كقوله عليه السلام :" أنت ومالك لأبيك ".

فصل دلَّت هذه الآية بظاهرها على إباحة الأكل من هذه المواضع بغير استئذان، وهو


٤٥٧
منقول عن قتادة، وأنكره الجمهور، ثم اختلفوا : فقيل : كان ذلك في صدر الإسلام، فنسخ بقوله عليه السلام :" لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه " ويدل على هذا النسخ قوله تعالى ﴿ يا أيها الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ﴾ [الأحزاب : ٥٣] وكان في أزواج الرسول من لهنَّ الآباء والأخوات، فعم بالنهي عن دخول بيوتهن إلا بالإذن في الأكل.
فإن قيل : إنما أذن الله تعالى في هذه الآية، لأن المسلمين لم يكونوا يمنعون قراباتهم هؤلاء من أن يأكلوا في بيوتهم، حضروا أو غابوا، فجاز أن يرخص في ذلك ؟ فالجواب : لو كان الأمر كذلك لم يكن لتخصيص هؤلاء الأقارب بالذكر معنى، لأن غيرهم كهم في ذلك.
وقال أبو مسلم : المراد من هؤلاء الأقارب إذا لم يكونوا مؤمنين، لأنه تعالى نهى من قبل عن مخالطتهم بقوله :﴿لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المجادلة : ٢٢] ثم إنه تعالى أباح في هذه الآية ما حظره هناك، قال : ويدل عليه أن في هذه السورة (أمر بالتسليم على أهل البيوت فقال :﴿حَتَّى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَى أَهْلِهَا﴾ [النور : ٢٧] وفي بيوت هؤلاء المذكورين لم يأمر بذلك، بل) أمر أن يسلموا على أنفسهم، فالمقصود من هذه الآية إثبات الإباحة في الجملة لا إثبات الإباحة في جميع الأوقات.
وقيل : لما علم بالعادة أن هؤلاء القوم تطيب نفوسهم بأكل من يدخل عليهم، والعادة كالإذن، فيجوز أن يقال : خصهم الله بالذكر لأن هذه العادة في الأصل توجد منهم، ولذلك ضم إليهم الصديق، ولما علمنا أن هذه الإباحة إنما حصلت لأجل حصول الرضا فيها، فلا حاجة إلى النسخ.
قوله :﴿أَوْ بُيُوتِ آبَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاَتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ﴾.
قال ابن عباس : عنى بذلك وكيل الرجل وقيمه في ضيعته وماشيته، لا بأس عليه أن يأكل من ثمر ضيعته ويشرب من لبن ماشيته، ولا يحمل ولا يدخر، وملك المفتاح : كونه في يده وحفظه قال المفضل :" المفاتح " واحدها " مَفْتَح " بفتح الميم، وواحد
٤٥٨


الصفحة التالية
Icon