فصل ظاهر قوله :" وَمَا يَعْبُدُونَ " أنها الأصنام، لأن (ما) لما لا يعقل.


وظاهر قوله :﴿فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ﴾ أنه من عبد من الأحياء كالملائكة والمسيح وعزير وغيرهم ؛ لأن الإضلال وجد بهم فلهذا اختلفوا.
فقال مجاهد : أراد الملائكة والجن والمسيح وعزير.
وقال عكرمة والضحاك والكلبي : يعني الأصنام.
فقيل لهم : كيف يخاطب الله تعالى الجماد فأجابوا بوجهين : أحدهما : أنه تعالى يخلق الحياة فيها ويخاطبها.
والثاني : أن يكون ذلك بالكلام النفساني لا بالقول اللساني بل بلسان الحال كما ذكر بعضهم في تسبيح الموات، وكلام الأيدي والأرجل، وكما قيل سل الأرض من شق أنهارك، وغرس أشجارك ؟ فإن لم يحصل جواباً أجابتك اعتباراً.
وقال الأكثرون : المراد الملائكة وعيسى وعزير - عليهم السلام - قالوا : ويتأكد هذا القول بقوله تعالى :﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَـاؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ﴾ [سبأ : ٤٠] فإن قيل : لفظة " ما " لا تستعمل في العقلاء.
فالجواب من وجهين : الأول : لا نسلم أن كلمة " ما " لا تستعمل لمن لا يعقل ؛ لأنهم قالوا :" مَنْ " لمن لا يعقل في قوله تعالى :﴿فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ﴾ [النور : ٤٥].
الثاني : أنه أريد به الوصف كأنه قيل : ومعبودهم.
وقال تعالى :﴿وَالسَّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا﴾ [الشمس : ٥]، ﴿وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ﴾ [الكافرون : ٣] وهذا لا يستقيم إلا على أحد هذين الوجهين.
فصل قالت المعتزلة :(وفيه كسر بيّن لقول من يقول إن) الله يضل عباده في الحقيقة لأنه لو كان الأمر كذلك لكان الجواب الصحيح أن يقول : إلهنا ههنا قسم ثالث
٤٩٥
غيرهما هو الحق، وهو أنّك أضللتهم فلما لم يقولوا ذلك بل نسبوا ضلالهم إلى أنفسهم، علمنا أنه تعالى لا يضل أحداً من عباده، فإن قيل : لا نسلم أن المعبودين ما تعرضوا لهذا القسم بل ذكروه، وقالوا :﴿وَلَـاكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَآءَهُمْ حَتَّى نَسُواْ الذِّكْرَ﴾، وهذا تصريح بأن ضلالهم إنما حصل لأجل ما فعل الله بهم، وهو أنه تعالى متَّعهم وآباءهم بنعيم الدنيا.
قلنا : لو كان الأمر كذلك لكان يلزم أن يصير الله محجوجاً في يد أولئك المعبودين، ومعلوم أنه ليس الغرض ذلك بل الغرض أن يصير الكافر محجوجاً مفحماً ملوماً.
وأجاب أهل السنة بأن القدرة على الضلالة إن لم تصلح للاهتداء فالإضلال من الله، وإن صلحت له لم يترجح اقتدارها للضلال على اقتدارها على الاهتداء إلا لمرجح من الله تعالى، وعند ذلك يزول السؤال.
وأما ظاهر الآية وإن كان لهم لكنه معارض بسائر الظوهر المطابقة لقولنا.
قوله :" هؤلاء " يجوز أن يكون نعتاً لـ " عِبَادي " أو بدلاً أو بياناً.
قوله :" ضلّوا السَّبِيلَ " على حذف حرف الجر وهو " عن " كما صرح به في قوله ﴿يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام : ١١٧] ثم اتُّسع فيه فحُذِف نحو هَدَى، فإنَّه يتعدَّى بـ (إلى) وقد يُحْذَف اتساعاً.
و " ضلَّ " مطاوع (أَضَلَّ).
فإن قيل : إِنَّهُ تعالى كان عالماً في الأزل بحال المسؤول عنه فما فائدة هذا السؤال ؟ فالجواب : هذا سؤال تقريع للمشركين كما قيل لعيسى ﴿أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـاهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ [المائدة : ١١٦].
فإن قيل : فما فائدة " أَنْتُمْ "، وهلاَّ قيل : أَأَضْلَلْتُمْ عبادي هؤلاء أم ضلوا السبيل ؟ فالجواب : هذا سؤال عن الفاعل فلا بدَّ من ذكره حتى يعلم أنه المسؤول عنه.
وقوله :" أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ...
أَمْ هُمْ ضَلُّوا " (إنما قدم الاسم على الفعل)
٤٩٦


الصفحة التالية
Icon