وهذا القول أولى من التخصيص بصورة واحدة، ونزوله في واقعة خاصة (لا ينافي العموم)، بل تدخل فيه تلك الصورة وغيرها.
والمقصود من الآية زجر الكل عن الظلم، وذلك لا يحصل إلا بالعموم.
فصل قال الضحاك : يأكل يديه إلى المرفق ثم تنبت، ولا يزال هكذا كلما أكلها نبتت وقال المحققون : هذه اللفظة للتحسر والغم، يقال : عَضَّ أنامله، وعضَّ على يديه.
قوله :" يَقُولُ " هذه الجملة حال من فاعل " يَعَضُّ " وجملة التمني بعد القول محكيةٌ به، وتقدم الكلام في مباشرة (يَا) لـ " لَيْتَ " في النساء.
قوله :" يَا وَيْلَتَى ".
قرأ الحسن " يَا وَيْلَتِي " بكسر التاء وياء صريحة بعدها، وهي الأصل.
وقرأ الدَّوْرِيُّ بالإمالة.
قال أبو علي : وترك الإمالة أحسن، لأن أصل هذه اللفظة الياء فبدلت الكسرة فتحة والياء ألفاً فراراً من الياء، فَمَنْ أَمَالَ رجع إلى الذي منه فَرَّ أولاً.
وهذا منقوض بنحو (بَاعَ) فإن أصله الياء، ومع ذلك أمالوا، وقد أمالوا ﴿يا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطَتُ﴾ [الزمر : ٥٦] و " يَا أَسَفَى " وهما كـ (ياء) " وَيْلَتِي " في كون ألفهما عن ياء المتكلم.
و " فُلاَن " كناية عن عَلَمِ من يعقل، وهو متصرف.
و " فُلُ " كناية عن نكرة مَنْ يعقل من الذكور، و " فُلَةُ " عن مَنْ يعقل من الإناث.
والفُلاَنُ والفُلاَنةُ بالألف عن غير العاقل، ويختص (فُلُ)، و(فُلَةُ) بالنداء إلاَّ في ضرورة كقوله :
٥٢٢
٣٨٧٤ - فِي لَجَّةٍ أَمْسِكْ فُلاَناً عَنْ فُلِ
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٥١٥
وليس (فُلُ) مرخماً من (فلان) خلافاً للفراء.
وزعم أبو حيان أنَّ ابن عصفور وابن مالك، وابن العلج وهموا في جعلهم (فُلُ) كناية عن عَلَمِ مَنْ يعقل (فلان).
ولام (فُلُ) و(فُلاَنُ) فيها وجهان : أحدهما : أنها واو.
والثاني : أنها ياء.
فصل تقدم الكلام في " يَا وَيْلَتَى " في هود.
﴿لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً﴾ يعني أبيّ بن خلف ﴿لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ﴾ عن الإيمان والقرآن، ﴿بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي﴾ يعني الذكر مع الرسول " وَكَانَ الشَّيْطَانُ " وهو كل متمرد عاتٍ من الجن والإنس، وكل من صدَّ عن سبيل الله فهو شيطان.
وقييل : أشار إلى خليله.
وقيل : أراد إبليس، فإنه الذي حمله على أن صار خليلاً لذلك المُضِل، ومخالفة الرسول، ثم خذله، وهو معنى قوله :" للإنْسَانِ خَذُولاً " أي : تاركاً يتركه ويتبرأ منه عند نزول البلاء والعذاب.
وقوله :" وَكَانَ الشَّيْطَانُ " يحتمل أَنْ تكون هذه الجملة من مقول الظالم فتكون منصوبة المحل بالقول.
وأن تكون من مقول الباري تعالى فلا محل لها، لاستئنافها.
٥٢٣
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٥١٥
قوله تعالى :﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُواْ هَـذَا الْقُرْآنَ﴾.
قال أكثر المفسرين : إنَّ هذا القول وقع مع الرسول.
وقال أبو مسلم : بل المراد أنَّ الرسول يقوله في الآخرة كقوله :﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هؤلاء شَهِيداً﴾ [النساء : ٤١].
والأول أولى، لأنَّ قوله :﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ﴾ تسلية للرسول، ولا يليق ذلك إلا إذا وقع القول منه.
و " مَهْجُوراً " مفعول ثان لـ " اتَّخَذُوا "، أو حال.
وهو مفعول من الهجر - بفتح الهاء - وهو التَّرْكُ والبُعْدُ.
أي : جعلوه متروكاً بعيداً، لم يؤمنوا به، ولم يقبلوه، وأعرضوا عن استماعه.
وقيل : هو من الهُجر - بالضم - أي : مهجوراً فيه.
ثم حذف الجار بدليل قوله :﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ﴾ [المؤمنون : ٦٧].
وهجرهُم فيه : قولهم فيه : إنه شعر، وسحر، وأساطير الأولين، وكذب وهُجْر، أي : هذيان.
قال عليه السلام :" من تعلم القرآن وعلق مصحفاً، ولم يتعاهده، ولم ينظر فيه، جاء يوم القيامة متعلقاً به، يقول : يا رب العالمين عبدك هذا اتخذني مهجوراً اقض بيني وبينه " وجعل الزمخشري " مَهْجُوراً " هنا مصدراً بمعنى الهجر قال كالمَجْلُود والمعقول.
قال شهاب الدين : وهو غير مقيسٍ، ضَبَطَهُ أهل اللغة في أُلَيْفاظ فلا يُتعدى إِلاَّ بنقل.
قوله تعالى :﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً﴾ الآية.
جعل ذكر ذلك تسلية للرسول، وأن له أسوة بسائرة الرسل، فليصبر على ما يلقاه من قومه كما صبر أولُو العزم من الرسل.
﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً﴾.
قال المفسرون : الباء زائدة بمعنى كفى ربك " هَادِياً ونَصِيراً " منصوبان على
٥٢٤