قال عليه السلام في البحر :" هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الحِلُّ مَيْتَتُهُ " أراد به المطهر، فالماء مطهر، لأنه يطهر الإنسان من الحدث والنجاسة، كما قال في آية أخرى ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ [الأنفال : ١١] فثبت أن التطهير مختص بالماء.
(وذهب أصحاب الرأي إلى أن الطهور هو الطاهر حتى جوزوا إزالة النجاسة بالمائعات الطاهرة كالخل وماء الورد، والمرق، ولو جاز إزالة النجاسة بها لجاز رفع الحدث بها.
وقال عليه السلام :" التّراب طهور المسلم ولو لم يجد الماء عشر حجج " ولو كان معنى الطهور هو الطاهر لكان معناه التراب طاهر للمسلم، وحينئذ لا ينتظم الكلام، وكذا قوله عليه الصلاة والسلام :" طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه أن يغسل سبعاً " ولو كان الطهور هو الطاهر لكان معناه : طاهر إناء أحدكم، وحينئذ لا ينتظم الكلام).
ويجوز أن يكون مصدراً كـ (القبول والولوع).
وقوله :" لِنُحْيِيَ بِهِ " فيه وجهان : أظهرهما : أنه متعلق بالإنزال.
والثاني : وهو صعب أنه متعلق بـ (طهور).
ووصف " بَلْدَةً " بـ " مَيِّت " وهي صفة للمذكر، لأنها بمعنى البلد.
قوله :" وَنُسْقِيَهُ " العامة على ضمّ النون، وقرأ أبو عمرو وعاصم في رواية عنهما وأبو حيوة وابن أبي عبلة بفتحها، وقد تقدم أنه قرئ بذلك في النحل والمؤمنون وتقدم الكلام (على ذلك).
٥٤٤
قوله :" مِمَّا خَلَقْنَا " يجوز أن يتعلق " مِنْ " بـ " نُسْقِيَهُ "، وهي لابتداء الغاية، ويجوز أن تتعلق بمحذوف على أنها حال من " أَنْعَاماً "، ونكرت الأنعام والأناسي، (قال الزمخشري) : لأن علية الناس وجلهم مجتمعون بالأودية والأنهار، فيهم غنية عن سقي الماء وأعقابهم وهم كثير منهم لا يعيشهم إلا ما ينزل الله من رحمته وسقيا (سمائه).
قوله :" وَأَنَاسِيَّ " فيه وجهان : أحدهما : وهو مذهب سيبويه أنه جمع إنسان، والأصل إنسان، وأناسين، فأبدلت النون ياء، وأدغمت فيها الياء قبلها نحو ظربان وظرابي.
والثاني : وهو قول الفراء والمبرد والزجاج أنه جمع إنسي.
وفيه نظر، لأن فعالي إنما يكون جمعاً لما فيه ياء مشددة لا تدل على نسب نحو كرسي وكراسي، فلو أريد بـ (كرسي) النسب لم يجز جمعه على كراسي، ويبعد أن يقال : إن الياء في
٥٤٥
إنْسِيّ ليست للنسب، وكان حقه أن يجمع على (أناسية) نحو مهالبة في المهلبي، وأزارقة في الأزرقي.
وقرأ يحيى بن الحارث الذماري والكسائي في رواية " وأناسِيَ " بتخفيف الياء.
قال الزمخشري : بحذف ياء أفاعيل، كقولك (أناعم في أناعيم).
قال الزمخشري : فإن قلت : لم قدم إحياء الأرض وسقي الأنعام على سقي الأناسي.
قلت : لأن حياة الأناسي بحياة أرضهم وحياة أنعامهم، فقدم ما هو سبب حياتهم، ولأنهم إذا ظفروا بسقيا أرضهم، وسقي أنعامهم لم يعدموا سقياهم فإن قيل : لم خص الإنسان والأنعام هاهنا بالذكر دون الطير والوحش مع انتفاع الكل بالماء ؟ فالجواب : لأن الطير والوحش تبعد في طلب الماء فلا يعوزها الشرب بخلاف الأنعام، لأن حوائج الأناسي ومنافعهم متعلقة بها فكان الإنعام عليهم (بسقي أنعامهم كالإنعام عليهم) بسقيهم.
وقال :" أَنَاسِيَّ كَثيراً " ولم يقل : كثيرين، لأنه قد جاء فعيل مفرداً ويراد به الكثرة كقوله :﴿وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً﴾ [الفرقان : ٣٨] ﴿وَحَسُنَ أُولَـائِكَ رَفِيقاً﴾ [النساء : ٦٩].
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٥٤١
قوله تعالى :" وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ " في هذه الهاء ثلاثة أوجه : أحدها : قال الجمهور : إنها ترجع إلى المطر، ثم هؤلاء قال بعضهم :(المعنى صرفنا نزول الماء من وابل، وطل وجود وطشّ، ورذاذ، وغير ذلك.
٥٤٦