قوله :﴿وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ﴾ الآية.
قال ابن عباس : إن ناساً من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وأكثروا، وزنوا فأكثروا، فأتوا محمداً - ﷺ - فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزلت هذه الآية، ونزل " يَا عِبَادِيَ " ﴿الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ﴾ [الزمر : ٥٣] وروي " أن رجلاً قال : يا رسول الله أي الذنب أكبر عند الله ؟ قال :" أن تدعو لله نداً وهو خلقك " قال : ثم أي ؟ قال :" ثم أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك " قال : ثم أي ؟ قال :" أن تُزَاني حليلة جارك " فأنزل الله تصديقها هذه الآية.
فإن قيل : إن الله تعالى ذكر أن من صفات عباد الرحمن الاحتراز عن الشرك والقتل والزنا، فلو كان الترتيب بالعكس كان أولى ؟ فالجواب : أن الموصوف بتلك الصفات السالفة قد يكون متمكناً بالشرك تديناً، ويقتل المولود تديناً، ويزني تديناً، فبين تعالى أن المرء لا يصير بتلك الخصال وحدها من عباد الرحمن حتى يتجنب هذه الكبائر.
وأجاب الحسن فقال : المقصود من ذلك التنبيه على الفرق بين سيرة المسلمين وسيرة الكفار كأنه قال : وعباد الرحمن هم الذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر، وأنتم تدعون، " وَلاَ يَقْتُلُونَ " وأنتم تقتلون الموءودة، " وَلاَ يَزْنُونَ " وأنتم تزنون.
قوله :" إلاَّ بالحَقِّ " يجوز أن تتعلق الباء بنفس " يَقْتلُون " أي : لا يقتلونها بسبب من الأسباب إلا بسبب الحق، وأن تتعلق بمحذوف على أنها صفة للمصدر، أي : قَتْلاً مُلْتَبِساً بالحق، أو على أنها حال أي : إلاَّ مُلْتَبِسِينَ بالحق.
٥٦٩
فإن قيل : من حلَّ قتله لا يدخل في النفس المحرمة، فكيف يصحّ هذا الاستثناء فالجواب : أن المقتضي لحرمة القتل قائم أبداً، وجواز القتل إنما ثبت بمعارض، فقوله :" حَرَّمَ اللَّهُ " إشارة إلى المقتضي، وقوله :" إلاَّ بالحَقِّ " إشارة إلى المعارض والسبب المبيح للقتل هو الردة، والزنا بعد الإحصان، وقتل النفس المحرمة.
قوله :﴿وَمَن يَفْعَلْ ذالِكَ﴾ هذه إشارة إلى جميع ما تقدم، لأنه بمعنى ما ذكر (فلذلك وحِّدَ).
قوله :" يَلْقَ " قراءة العامة مجزوماً على جزاء الشرط بحذف الألف، وقرأ عبد الله وأبو رجاء " يَلْقَى " بإثباتها كقوله :" فلا تَنْسَى " على أحد القولين، وكقراءة ﴿لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَى ﴾ [طه : ٧٧] في أحد القولين أيضاً، وذلك بأن نقدر علامة الجزم حذف الضمة المقدرة.
وقرأ بعضهم " يُلَقَّ " بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف من لقاه كذا.
والأثام مفعول على قراءة الجمهور، ومفعول ثان على قراءة هؤلاء والأثام العقوبة، قال : ٣٨٩٠ - جَزَى اللَّهُ ابْنَ عُرْوَةَ حَيْثُ أَمْسَى
عُقُوقاً وَالعُقُوقُ لَهُ أَثَامُ
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٥٦٩
أي عقوبةٌ.
وقيل : هو الإثم نفسه، أي : يَلْقَ جَزَاءَ إثْمٍ.
قال أبو مسلم : والأثام والإثم واحد، والمراد هاهنا جزاء الأثام، فأطلق اسم الشيء على جزائه.
٥٧٠
وقال الحسن : الأثام اسم من أسماء جهنم، وقال مجاهد : اسم وادٍ في جهنم وقيل : بئر فيها.
وقرأ ابن مسعود :" أَيَّاماً " جمع يومٍ، يعني شدائد، والعرب تعبر عن ذلك بالأيَّام، يقال : يوم ذو أيام لليوم الصعب.
قوله :" يُضَاعَفْ " قرأ ابن عامر وأبو بكر برفع " يُضَاعَف " و " يَخْلُدُ " على أحد وجهين : إمَّا الحال، وإمَّا على الاستئناف.
والباقون بالجزم فيهما بدلاً من " يَلْقَ " بدل اشتمال، ومثله قوله : ٣٨٩١ - مَتَى تَأْتِنَا تُلْمِمْ بِنَا في دِيَارِنَا
تَجِدْ حَطَباً جَزْلاً وَنَاراً تأَجَّجَا
فأبدل من الشرط كما أبدل هنا من الجزاء.
وابن كثير وابن عامر على ما تقدم لهما في البقرة من القصر والتضعيف في العين.
ولم يذكر أبو حيان ابن عامر مع ابن كثير وذكره مع الجماعة في قُرَّائهم.
وقرأ أبو جعفر وشيبة " نُضَعِّف " بالنون مضمومة وتشديد العين، " العذَابَ " نصباً على المفعول به.
وطلحة " يضاعف " مبنياً للفاعل، أي : الله " العذاب " نصباً، وطلحة بن سليمان " وتَخْلُد " بتاء الخطاب على الالتفات، وأبو حيوة " وَيُخَلَّد " مشدداً مبنياً للمفعول.
وروي عن أبي عمرو كذلك إلا أنه بالتخفيف.
٥٧١