قوله :﴿وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾ وجهان : أحدهما : أنه مفعول به، أي : لا يحضرون الزُّور، وفسر بالصَّنم واللهو.
وقال أكثر المفسرين : يعني : الشرك.
والثاني : أنه مصدر، والمراد شهادة الزُّور، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.
قاله علي بن أبي طالب.
وقال ابن جريج : الكذب.
وقال مجاهد : أعياد المشركين.
وقيل : النوح.
وقال قتادة : لا يساعدون أهل الباطل على باطلهم.
وكل هذه الوجوه محتملة.
وأصل " الزُّور " : تحسين الشيء ووصفه بخلاف صفته، فهو تمويه الباطل بما يوهم أنه حق.
قوله :﴿وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ﴾ أي : بأهله.
قال مقاتل : إذا سمعوا من الكفار الشتم
٥٧٤
والأذى أعرضوا وصفحوا كقوله :﴿وَإِذَا سَمِعُواْ اللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ﴾ [القصص : ٥٥].
وقال الحسن والكلبي : اللغو : المعاصي كلها مما يجب أن يلغى ويتر.
" مَرُّوا كِرَاماً " مسرعين معرضين، يقال : تكرّم فلان عما يشينه إذا تنزه وأكرم نفسه عنه.
قوله :﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً﴾ النفي متسلط على القيد، وهو الصمم والعمى، أي : إنَّهم يخرُّون عليها لكن لا على هاتين الصفتين.
قال الزمخشري : فقوله :﴿لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا﴾ ليس بنفي للخرور، وإنما هو إثبات له ونفي للصمم والعمى، كما تقول : لا يلقاني زيد مسلماً.
هو نفي للسلام لا للقاء، والمعنى : أنهم إذا ذكروا بها أكبّوا عليها حرصاً على استماعها، وأقبلوا على المذكر بها وهم في إكبابهم عليها سامعون بآذان واعية ويبصرون بعيون واعية، لا كالذين يذكرون بها فتراهم مكبين عليها مقبلين على من يذكر بها مظهرين الحرص الشديد على استماعها، وهم كالصُّمِّ والعميان حيث لا يفهمونها، ولا يبصرون ما فيها، وفيه تعريض بالمنافقين.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٥٧٤
قوله :﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا﴾.
يجوز أن تكون " من " لابتداء الغاية، أي : هب لنا من جهتهم ما تقرّ به عيوننا من طاعة وصلاح، وأن تكون للبيان، قاله الزمخشري وجعله من التَّجريد، أي : هب لنا قُرَّة أعْيُنٍ من أزواجنا كقولك رأيتُ مِنْكَ أسَداً.
وقرأ أبو عمرو والأخوان وأبو بكر " ذُرِّيَّتِنَا " بالتوحيد، والباقون بالجمع سلامة وقرأ أبو هريرة وأبو الدرداء وابن مسعود " قُرَّاتِ " بالجمع، وقال
٥٧٥
الزمخشري : أتى هنا بـ " أَعْيُنٍ " صيغة القلة دون (عُيُونٍ) صيغة الكثرة، إيذاناً بأنَّ عيون المتقين قليلة بالنسبة إلى عيون غيرهم.
وردَّه أبو حيان بأن أعيُناً يطلق على العشرة فما دونها، وعيون المتقين كثيرة فوق العشرة.
وهذا تحمُّلٌ عليه، لأنَّه إنما أراد القلة بالنسبة إلى كثرة غيرهم، ولم يُرِدْ قَدْراً مخصوصاً.
فصل أراد قرة أعين لهم في الدين لا في الدنيا من المال والجمال، قال الزجاج : يقال : أقرَّ الله عينك، أي : صادف فؤادك ما يحبه وقال المفضل : في قرة العين ثلاثة أقوال : أحدها : برد دمعتها، وهي التي تكون مع السرور، ودمعة الحزن حارة.
الثاني : فرحها، لأنه يكون مع ذهاب الحزن والوجع.
الثالث : قال الأزهري : حصول الرضا.
قوله :﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً﴾ في " إمَاماً " وجهان : أحدهما : أنه مفرد، وجاء به مفرداً إرادة للجنس، وجنسه كونه رأس فاصلة.
(أو المراد : اجعل كل واحد منا إماماً.
كما قال ﴿نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً﴾ [الحج : ٥].
قال الفراء : قال " إِمَاماً " ولم يقل : أئمة.
كما قال للاثنين ﴿إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء : ١٦].
وقيل : أراد أئمة كقوله :﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِى ﴾ [الشعراء : ٧٧]، وإمَّا لاتحادهم واتفاق كلمتهم، وإمَّا لأنَّه مصدرٌ في الأصل كصيام وقيام.
الثاني : أنه جمع آمٍّ كحالٍّ وحلال، أو جمع إمامة كقلادة وقلاد.
قال القفال : وعندي أن الإمام إذا ذهب به مذهب الاسم وحد كأنه قيل : اجعلنا
٥٧٦


الصفحة التالية
Icon