" المَلأ "، ومفعول القول قوله :﴿إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ﴾ وقيلك صلة " لِلْملأ "، فإنه بمعنى " الَّذِي ".
وقيل : الموصول محذوف.
وهما قولان للكوفيين.
قال الزمخشري :" فإِننْ قٌلْتَ : قوله تعالى :(للْمَلأ حَوْلَهُ) فما العامل في (حَوْلَه) ؟.
قلت : هو منصوب نصبين : نصب في اللفظ، ونصب في المحل.
فالعامل في النصب اللفظي ما تقدم في الظرف، ش والعامل في النصب المحلي هو النصب على الحال ".
قوله :" أَرْجِهْ وَأَخَاهُ ".
لما قال لهم فرعون تلك الكلمات اتفقوا على جواب واحد، وهو قولهم :" أَرْجِهْ " قرىء :" أَرْجِهْ وَأَرْجِئْهُ وأَرْجِهِ " (بالهمز والتخفيف، وهما لغتان، يقال : أرجأته وأرجيته) إذا أخرته.
والمعنى : أخره ومناظرته لوقت اجتماع السحرة.
وقيل :" احبسه " ﴿وَابْعَثْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ﴾ أشاروا عليه بإنفاذ حاشرين يجمعون السحرة، ظنّاً منهم بأنهم إذا كثروا غلبوه وكشفوا حاله.
وعارضوا قوله :﴿إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ﴾ بقولهم :﴿بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ﴾ فجاءوا بكلمة الإحاطة، وبصيغة المبالغة ليطيِّبوا قبله.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٢٢
قوله تعالى :﴿فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ﴾.
اليوم المعلوم : يوم الزينة.
قال ابن عباس : وافق ذلك يوم السبت في أول يوم من السنة، وهو يوم النيروز وميقاته : وقت الضحى، لأنه الوقت الذي وقَّت لهم موسى - عليه السلام - من يوم الزينة في قوله :﴿مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾ [طه : ٥٩].
٢٣
قوله :﴿وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ﴾.
والمعنى : أنهم بعثوا على الحضور ليشاهدوا ما يكون من الجانبين ولمن تكون الغلبة، وكان موسى - عليه السلام - يطلب ذلك ليظهر حجته عليهم عند الخلق العظيم.
قوله :﴿لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ﴾.
أي نرجو أن تكون الغلبة لهم ﴿إِن كَانُواْ هُمُ الْغَالِبِينَ﴾ لموسى.
وقيل : إنما قالوا ذلك على طريق الاستهزاء.
وأرادوا بـ " السَّحَرَة " : موسى وهارون وقومهما.
﴿فَلَمَّا جَآءَ السَّحَرَةُ قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾.
[فابتدءُوا بطلب الجزاء، وهو إما المال وإما الجاه، فبذلك لهم ذلك وأكّده بقوله :﴿وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ ] لأنَّ نهاية مطلوبهم البذل ورفع المنزلة.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٢٣
قوله تعالى :﴿قَالَ لَهُمْ مُّوسَى أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ﴾.
اعلم أنهم لما اجتمعوا كان لا بد من ابتداء موسى أو ابتدائهم، ثم إنهم تواضعوا فقدّموه على أنفسهم، وقالوا له :﴿إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ﴾ [الأعراف : ١١٥] فلما تواضعوا له تواضع هو أيضاً لهم فقدمهم على نفسه، وقال :﴿أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مَّلْقُونَ﴾.
فإن قيل : كيف جاز لموسى - عليه السلام - أن يأمر السحرة بإلقاء الحبال والعصيّ، وذلك سحر وتلبيس وكفر، والأمر بمثله لا يجوز ؟ فالجواب : ليس ذلك بأمر، لأن مراد موسى - عليه السلام - منهم أن يؤمنوا به، ولا يقدموا على ما يجري مجرى المقاتلة، وإذا ثبت ذلك وجب تأويل صيغة الأمر، وفيه وجوه : أحدها : أن ذلك الأمر كان مشورطاً، والتقدير : ألقوا ما أنتم ملقون إن كنتم محقين، كقوله :﴿فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ﴾ [البقرة : ٢٣] أي : إن كنتم قادرين.
وثانيها : لما تعين ذلك طريقاً إلى كشف الشبهة صار جائزاً.
وثالثها : أَنَّ هذا ليس بأمر، بل هو تهديد، أي : إن فعلتم ذلك أتينا بما يبطله، كقول القائل :" لئن رميتني لأفعلن ولأصنعن " ثم يفوق له السهم فيقول له :" ارم " فيكون ذلك منه تهديداً.
٢٤