يشبه الشيء بنفسه.
قال شهاب الدين : وليس في ذلك تشبيه الشيء بنفسه ؛ لأن المراد في اأول : أخرجناهم إخراجاً مثل الإخراج المعروف المشهور، وكذلك الثاني.
قوله :" وَأَوْرَثْنَاها " عطف على " فَأَخْرَجْنَاهُمْ " أي : وأورثناها بهلاكهم بني إسرائيل وذلك أن الله تعالى رد بني إسرائيل إلى مصل بعدما أغرق فرعون وقومه وأعطاهم جميع ما كان لفرعون وقومه من الأموال والمساكن.
قوله :" فَأَتْبَعُوهُمْ ".
قرأ لعامة بقطع الهمزة من " أَتْبعه " أي : ألحقه نفسه، فحذف الثاني.
وقيل : يقال : أَتْبعه بمعنى " اتبعه " بوصل الهمزة، أي : لحقه.
وقرأ الحسن والحارث الذَّمَّارِيّ بوصلها وتشديد التاء، وهي بمعنى اللحاق.
وقوله :" مُشْرِقِينَ " أي : داخلين في وقت الشروق من : شَرَقت الشمس شروقاً : إذا طلعت كـ " أصبح، وأمسى " : إذا دخل في هذين الوقتين.
وقيل : داخلين نحو المشرق كـ " أَنْجَد، وأَتْهَم ".
و " مُشْرِقِين " منصوب على الحال، والظاهر أنه من الفاعل.
وقيل :" مُشْرِقِين " بمعنى : مضيئين.
وفي التفسير : أنّ بني إسرائيل كانوا في نور، والقبط في ظلمة، فعلى هذا يكون " مُشْرِقِين " حالاً من المفعول.
قال شهاب الدين : وعندي أنه يجوز أن يكون حالاً من الفاعل والمفعول إذا جعلنا " مُشْرِقِين " : داخلين في وقت الشروق، أو في مكان المشرق، لأن كلاً من القبيلين كان داخلاً في ذلك الزمان، أو في ذلك المكان.
قوله :﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ﴾ أي : تقابلا ورأى بعضهما بعضاً.
قرأ العامة :" تَرَاءَى " بتحقيق الهمزة.
وابن وثاب والأعمش من غير همزة، بأن تكون الهمزة مخففة بين بين، لا بالإبدال المحض، لئلا يجتمع ثلاث ألفات، الأولى الزائدة بعد الراء، والثانية المبدلة من الهمزة، والثالثة لام الكلمة، لكن الثالثة لا تثبت وصلاً لحذفها لالتقاء الساكين، ثم اختلف القراء في إمالة هذا الحرف فنقول : هذا الحرف إما أن يوقف عليه أو لا، فإن وقف
٣٣
عليه فحمزة يميل ألفه الأخيرة ؛ لأنها طرف منقبلة عن ياء.
ومن ضرورة إمالتها إمالة فتحة الهمزة المسهلة، لأنه إذا وقف على مثل هذه سهلها على مقتضى مذهب، وأمال الألف الأولى إتباعاً لإمالة فتحة الهمزة.
ومن شرورة إمالتها إمالة فتحة الراء قبلها، وهذا هو الإمالة لإمالة.
وغيره من القراء لا يميل شيئاً من ذلك.
وقياس مذهب الكسائي أن يميل الألف الأخيرة، وفتحة الهمزة قبلها، وكذا نقله ابن الباذش عنه وعن حمزة.
وإن وصل فإن الألف الأخيرة تذهب لالتقاء الساكنين، ولذهابها تذهب إمالة فتحة الهمزة، وتبقى إمالة الألف الزائدة، وإمالة فتحة الراء قبلها عنده اعتداداً بالألف المحذوفة، وعند ذلك يقال : حذف السبب وبقي المسبب ؛ لأن إمالة الألف الأولى إنما كان لإمالة الألف الأخيرة [كما تقدم تقريره، وقد ذهبت الأخيرة] فكان ينبغي ألا تمال الأولى لذهاب المقتضي لذلك، ولكنه راعى المحذوف وجعله في قوة المنطوق ؛ ولذا تجرأ عليه أبو حاتم فقالك وقراءة هذا الحرف بالإمالة محال.
وقد تقدم في الأنعام عند " رَأَى القَمَرَ " و " رَأَى الشَّمْسَ " ما يشبه هذا العمل.
قوله :" لَمَدْرَكُونَ ".
العامة على سكون الدال، اسم مفعول من " أَدْركَ " أي : لملحقون.
وقرأ الأعرج وبيد بن عمرو بفتح الدال مشددة وكسر الراء.
٣٤
قال الزمخشري : المعنى : متتابعون في الهلاك على أيديهم، ومنه بيت الحماسة : ٣٩٠٩ - أَبَعْدَ بَنِي أُمِّي الَّذِينَ تَتَابَعُوا
أُرَجِّي الحَيَاةَ أَمْ مِنَ المَوْتِ أَجْزَعُ
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٢٨
يعني : أن " ادَّرَك " على " افتعل " لازم بمعنى فني واضمحلّ، يقال : ادَّرَكَ الشيء يدَّرك فهو مدَّرَك، أي : فني متتابعا، ولذلك كسرت الراء.
وممن نص على كسرها أبو الفضل الرازي، قال :" وقد يكون " ادَّرَك " على " افتعل " بمعنى " أفعل " متعدياً، ولو كانت القراءة من هذا لوجب فتح الراء ولم يبلغني عنهما - يعني : عن الأعرج وعبيد - إلا الكسر ".
فصل المعنى ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ﴾، أي : رأى كل فريق صاحبه.
وقرىء ﴿فَلَمَّا تَرَاءْتِ الفِئَتَانِ﴾ قال أصحاب موسى :" إنَّا [لَمُدْرَكُونَ " أي] لَمُلْحَقُون، وقالوا : يا موسى ﴿أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا﴾ [الأعراف : ١٢٩] كانوا يذبحون أبناءنا، ﴿وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا﴾ [الأعراف : ١٢٩] يدركوننا في هذه الساعة فيقتلوننا، ولا طاقة لنا بهم، فعند ذلك قال موسى ثقة بوعد الله إياه " كَلاَ " وذلك كالمنع مما توهموه، أي : لن يدركونا ﴿إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ يدلني على طريق النجاة.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٢٨