ثم (قرر) بكونه بَشَراً.
ثم قالوا :﴿وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ ومعناه ظاهر.
ثم إنَّ شعيباً - عليه السلام - كان يتوعدهم بالعذاب إن لم يؤمنوا فقالوا :﴿فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِّنَ السَّمَآءِ﴾ وقد تقدم كلام في " كِسَفاً " والشتقاقه في الإسراء.
وإنما طلبوا ذلك لاسبتعادهم وقوعه فقال شعيب :﴿رَبِّى أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ أي : من نقصان الكيل والوزن، وهو مجازيكم بأعمالكم، وليس العذاب إليَّ، وما عليّ إلا الدعوة.
فلم يدع عليهم، بل فوض الأمر فيه إلى الله تعالى.
قوله :﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ﴾.
وذلك أنَّه أخذهم حرّ شديد، فكانوا يدخلون الأسراب فيجدونها أشد حرّاً، فخرجوا، فأظلتهم سحابة، وهي الظُّلَّة، فاجتمعوا تحتها فأمطرت عليها ناراً فاحترقوا.
فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال : إنَّ العذاب النازل بعاد وثمود وقوم لوط وغيرهم ما كان بسبب كفرهم، بل بسبب تأثيرات الكواكب واتصالاتها على ما أتفق عليه المنجمون ؟ وإذا قام هذا الاحتمال لم يحصل الاعتبار بهذه القصص، لأنَّ الاعتبار إنما يحصل إذا علمنا أنَّ نزول العذاب كان بسبب كفرهم، وأيضاً فيحتمل أن ينزل العذاب محنة للمكلّفين كما قال :﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ﴾ [محمد : ٣١] وقد ابتلي المؤمنون بالبلاء العظيم في مواضع كثيرة، وإذا كان كذلك لم يدلّ نزول البلاء بهم على كونهم مبطلين ؟ فالجواب : هذا سؤال باطل، لأنه يقال : ما الاتصالات التي أوجبت نجاة بني إسرائيل من البحر وأغرقت فرعون وقومه في ساعة واحدة، وما الاتصالات التي أوجبت الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم على القبط دون بني إسرائيل وهم معهم في بلد واحد، وما الاتصالات التي نجّت لوطاً ومن معه وأهلكت قومه وهم قريب منهم، وما الاتصالات التي أوجبت حمل الطير الأبابيل حجارة من سجيل ورمت بها أصحاب الفيل دون غيرهم، وما الاتصالات التي فرقت البحر اثني عشر فرقاً بعدد أسباق بني إسرائيل، وقلبت العصا حية تسعى، وتلقفت ما صنعته السحرة، ونتقت الجبل فوق بني إسرائيل كأنه ظلّة، وأخرجت الناقة من الحجر، وأطفأت نار إبراهيم، وكل ذلك ثابت بالتواتر لا يمكن إنكاره.
٧٧
وأيضاً فإنَّ الله تعالى أنزل هذه القصص على محمد - عليه السلام - تسلية له وإزالة للحزن عن قلبه.
فلما أخبر الله تعالى محمداً أنه هو الذي أنزل العذاب عليهم جزاءً على كفرهم علم أنَّ الأمر كذلك، وحينئذ حصل له التسلي.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٧٠
قوله تعالى :﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
الهاء تعود على القرآن وإن لم يجر له ذكر للعلم به.
و " تَنْزِيلٌ " بمعنى مُنَزَّلٌ، أو على حذف مضاف أي : ذُو تَنزيل، وقوله :" نَزَلَ " قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص :" نَزَلَ " مخففاً، و " الرُّوحُ الأمينُ " مرفوعان على إسناد الفعل لـ " الروج " و " الأمِين " نعته، والمراد به جبريل.
وباقي السبعة : بالتشديد مبنياً للفاعل، وهو الله تعالى، و " الرُّوح الأَمِين " منصوبان على المفعول به، و " الأَمِين " صفته أيضاً، وقرىء :" نُزِّلَ " مشدداً مبنياً للمفعول، و " الرُّوحُ الأَمِينُ " مرفوعان على ما لم يسم فاعله.
و " بِهِ " إمَّا متعلق بـ " نَزَل " أو بمحوذف على أنه حال.
قوله :﴿عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ﴾.
قال أبو حيان : الظاهر تعلُّق " عَلَى قَلْبِكَ " و " لِتَكُونَ " بـ " نَزَل ".
ولم يذكر ما يقابل هذا الظاهر.
وأكثر ما يتخيَّل أنه يجوز أن يتعلقا بـ " تنزيل " أي : وإنه لتنزيل ربِّ العالمين على قلبك لتكون، ولكن فيه ضعفٌ من حبث الفصل بين المصدر ومعموله بجملة :" نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ ".
وقد يجاب عنه بوجهين : أحدهما : أنَّ هذه الجملة اعتراضية، وفيها تأكيد وتشديد، فليست بأجنبية.
والثاني : الاغتفار في الظرف وعديله.
وعلى هذا فلا يبعد أن يجيء في المسألة باب الإعمال، فإن كلاًّ من " تَنْزِيل " و " نَزَل " يطلب هذين الجارين.
٧٨


الصفحة التالية
Icon