عبد الله بن مطيع أنه كان واقفاً بعرفة وتحته جمل، فقال : جَمَلِي هذا أَعْجَمٌ، ولو أنَّه أنزل عليه ما كانوا يؤمنون.
والعجميُّ : هو الذي نسبته في العجم وإن كان أفصح الناس.
وقال الزمخشري : الأعجم : الذي لا يفصح، وفي لسانه عجمة واستعجام، والأعجمي مثله لا أنَّ فيه زيادة ياء النسب توكيداً.
وقتدم نحو من هذا في سورة النحل وقد صرَّح أبو البقاء يمنع أن يكون " الأعْجَمِينَ " جمع أعجم، وإنما هو جمع أعجمي مخففاً من " أَعْجَمِيّ " " كَالأَشْعَرُون " في الأَشْعَرِيّ.
قال :" الأعجمين " الأعجميِّين، فحذف ياء النسب، كما قالوا :(الأَشْعَرُونَ أي) : الأَشْعَرِيُّون، وواحده (أَعْجَمِي) ولا يجوز أن يكون جمع (أَعْجَم) لأنَّ مؤنثه (عَجْمَاء)، ومثل هذا لا يجمع جمع التصحيح.
قال شهاب الدين : وفيما قاله ابن عطية نظر، وأام الزمخشري فليس في كلامه أنه جمع (أَعْجَم) مخففاً أو غير مخفف، وإن كان ظاهره أنه جمع (أعجم) من غير تخفيف، ولكن الذي قاله ابن عطية تبع فيه الفراء فإنَّه قال : الأعجمين : جمع (أَعْجَم) أو (أَعْجَمِي) على حذف ياء النسب، كما قالوا : الأشعرين وواحدهم.
(أشعري) وأنشد للكميت : ٣٩٢٩ - وَلَوْ جَهَّزتَ قَافِيةً شَرُوداً
لَقَدْ دَخَلَتْ بيُوتَ الأَشْعَرِينَا
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٨١
لكن الفراء لا يضره ذلك، فإنه من الكوفيين، وقد تقدم عنهم أنهم يجيزون جمع
٨٤
(أَفْعَل فَعْلاَء).
وقرأ الحسن وابن مقسم :" الأَعْجَمِيِّينَ " بياء النسب - وهي مؤيدة لتخفيفه منه في قراءة العامة.
فصل قوله " وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ " يعني : القرآن على رجل ليس بعربي اللسان " فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ " بغير لغة العرب ﴿مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ﴾ وقالوا ما نفقه قولك، وجعلوه عذراً لجحودهم، ونظيره :﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ﴾ [فصلت : ٤٤].
وقيل : معنا : ولو أنزلناه على رجل ليس من العرب لما آمنوا به أنفة من اتباعه.
قوله :" كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ " أي : قيل ذلك، أو الأمر كذلك.
والضمير في " سَلَكْنَاهُ " عائد على القرآن، وهو الظاهر، أي : سلكناه في قلوب المجرمين (كما سلكناه في قلوب المؤمنين)، ومع ذلك لم ينجع فيهم.
وقال ابن عباس والحسن ومجاهد : أدخلنا الشرك والتكذيب في قلوب المجرمين.
وهذه الآية تدل على أنّ الكل بقضاء الله وخلقه.
قال الزمخشري : إراد به أنه صار ذلك التكذيب متمكناً في قلوبهم أشدّ التمكن، فصار ذلك كالشيء الجبلِّي.
والجواب : أنه إما أن يكون قد فعل الله تعالى فيهم ما يقتضي الترجيح أم لا، فإن كان الأول فقد دللنا في سورة الأنعام على أنَّ الترجيح لا يتحقق ما لم يثب إلى حد الوجوب، وحينئذ يحصل المقصود، وإن لم يفعل فيهم ما يقتضي الترجيح البتة امتنع قوله :" كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ ".
٨٥
قوله :﴿لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ في الجملة وجهان : أحدهما : الاستئناف على جهة البيان والإيضاح لما قبله.
والثاني : أنها حال من الضمير في " سَلَكْنَاهُ " أي : غير مُؤْمِنٍ بِهِ.
ويجوز أن يكون حالاً من " المُجْرِمِينَ " لأنَّ المضاف جزء من المضاف إليه ﴿حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ﴾ يعني : الموت.
قوله :" فَيَأْتِيَهُمْ " و " فَيَقُولُوا " عطف على " يَرَوا ".
وقرأ العامة بالياء من تحت.
والحسن وعيسى بالتاء من فوق.
أنّث ضمير العذاب.
لأنه في معنى العقوبة.
وقال الزمخشري : أنّثَ على أن الفاعل ضمير الساعة.
قال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى التعقيب في قوله :" فَيَأْتِيَهُمْ " ؟ قُلْت : ليس المعنى التعقيب في الوجود، بل المعنى ترتُّبها في الدشة، كأنه قيل : لا يؤمنون بالقرآن حتى تكون رؤيتهم العذاب أشدَّ منها، ومثال ذلك أن تقول : إنْ أَسَأتَ مَقَتَكَ الصَّالِحُونَ فمَقَتَكَ اللَّه فإنك لا تقصد أنّ مَقْتَ اللَّهِ بعد مَقْتِ الصَّالِحينَ، وإنما قصدك إلى ترتيب شدة المر على المسيء.
وقرأ الحسن :" بَغَتَةً " بفتح الغين.
فصل المعنى : يَأْتِيَهُمْ العذاب " بَغْتَةً " أي : فجأة ﴿وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ به في الدنيا، ﴿فَيَقُولُواْ هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ﴾ أي : لنؤمن ونصدق، يتمنون الرجعة والنظرة، وإنما يقولون ذلك استرواحاً عند تعذر الخلاص، لأنهم يعلمون في الآخرة ألاَّ ملجأ لهم.
قال مقاتل : لما وعدهم النبي - ﷺ - بالعذاب قالوا : إلى متى توعدنا بالعذاب ؟ ومتى هذا
٨٦
العذاب ؟ قال الله تعالى :﴿أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ﴾.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٨١


الصفحة التالية
Icon