ياء، وتقدم تحقيقه في " عِتِيّاً " في مريم، وروي عن الأعمش وابن وثاب ضم العين كما في " عِتيّاً ".
وقرىء :" وَغُلُوّاً " بالغين المعجمة، وهو قريب من هذا المعنى، وأي ظلم أفحش من ظلم من استيقن أنها آيات بينة من عند الله ثم كابر بتسميتها سحراً بيناً ؟ والعلو : الترفع عن الإيمان، والشرك وعدم الإيمان بما جاء به موسى، كقوله :﴿فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً عَالِينَ﴾ [المؤمنون : ٤٦].
﴿فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾.
قوله :﴿كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ﴾ " كَيْفَ " خر مقدم، و " عَاقِبَةُ " اسمها، والجملة في محل نصب على إسقاط الخافض لأنها معلقة لـ " انْظُرْ " بمعنى تَفَكَّرْ.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ١١٦
قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً﴾ الآية..
والمراد بالعلم أي : علم القضاء ومنطق الطير والدواب وتسبيح الجبال، والمعنى : طائفة من العلم، او علماً سنياً عزيزاً.
قوله :" وَقَالاَ "، قال الزمخشري : فإن قلت : أليس هذا موضع الفاء دون الواو، كقولك : أعطيته فشكر، ومنعته فصبر ؟ قلت : بلى، ولكن عطفه بالواو إشعار بأنَّ ما قالاه بعض ما أحدث فيهما إيتاء العلم وشيءٌ من مواجبه، فأضمر ذلك ثم عطف عليه التحميد، قال : ولقد آتيناهما علماً فعملا به وعلماه وعرفاه حقَّ معرفته، وقالا الحمد لله، انتهى.
١٢٢
وإنَّما نكر " عِلْما " تعظيماً له، أي علماً سنياً، أو دلالة على التبعيض، لأنه قليل جداً بالنسبة إلى علمه تعالى.
فصل المعنى :﴿وَقَالاَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا﴾ بالنبوة والكتاب وتسخير الشياطين، والجن والإنس ﴿عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ﴾، ولم يفضلوا أنفسهم على الكل، وذلك يدل على حسن التواضع.
قوله :﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ﴾، قال الحسن : المال لأن النبوة عطية مبتدأة لا تورث، وقال غيره : بل النبوة والعلم والملك دون سائر أولاده، ولو تأمل الحسن لعلم أن المال لا يورث من الأنبياء، لقوله عليه السلام :" نَحْنُ مَعَاشِرَ الأنْبِياءِ لا نُورَث مَا تَرَكْنَاهُ صدقة "، وأيضاً فإن المال إذا ورثه الولد فهو أيضاً عطية مبتدأة من الله تعالى، ولذلك يرثه الولد إذا كان مؤمناً، ولا يرث إذا كان كافراً أو قاتلاً، ولا كذلك النبوة، لأن الموتا لا يكون سبباً لنبوة الولد، وكان لداود تسعة عشر ابناً، واعطي سليمان ما أعطي داود من الملك، وزيد له تسخير الريح وتسخير الشياطين، قال مقاتل : كان سليمان أعظم ملكاً من داود وأقضى منه، وكان داود أشد تعبداً من سليطان، وكان سليمان شاكراً لنعم الله.
﴿وَقَالَ يا أيها النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ﴾، يعني صوته، سمي صوت الطير منطقاً، لحصول الفهم منه كما يفهم من كلام الناس، روي عن كعب قال : صاح ورشان عند سليمان عليه السلام، فقال : أتدرون ما يقول ؟ قالوا لا، قال :
١٢٣
إنه يقول : لدوا للموت، وابنوا للخراب، وصاحت فاختة، فقال : أتدرون ما تقول ؟ قالوا لا، قال فإنها تقول : ليت ذا الخلق لم يخلقوا، وصاح الطاووس فقال : أتدرون ما يقول ؟ قالوا لا، قال : فإنه يقول : كما تدين تدان، قال : وصاح هدهد، فقال : أتدرون ما يقول ؟ قالوا لا، قال : فإنه يقول : استغفروا الله يا مذنبين، وصاحت طيطوى، فقال أتدرون ما تقول ؟ قالوا لا، قال فإنه يقول : كل حي ميت، وكل جديد بال وصاح خطاف، فقال : أتدرون ما يقول ؟ قالوا لا، قال : فإنها تقول : سبحان ربي الأعلى (ملء سمائة وأ ﴿ضه، وصاح قمري، فقال : أتدرون ما يقول ؟ قالوا لا، قال : فإنه يقول : سبحان ربي الأعلى)، قال : والغراب يدعو على العشَّار، والحدأة تقول :{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ﴾ [القصص : ٨٨]، والقطاة تقول : من سكت سلم، والببعاء : ويلٌ لِمَنِ الدُّنْيَا هَمُّهُ، والضفدع يقول : سبحان ربِّي القدُّوس، والبازي يقول : سبحان ربي وبحمده.
وعن مكحول قال : صاح دُرَّاج عند سليمان، فقال : أتدرون ما يقول ؟ قالوا لا، قال : فإنه يقول :﴿الرَّحْمَـانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه : ٥].
قوله :﴿وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ﴾ تؤتى الأنبياء والملوك، قال ابن عباس : من أمر الدنيا والآخرة.
وقال مقاتل : يعني النبوة والملك وتسخير الجن والشياطين
١٢٤