قوله :﴿وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ﴾ يجوز أن يكون معطوفاً على " تَمْلِكُهُمْ "، وجاز عطف الماضي على المضارع، (لأن المضارع) بمعناه، أي : ملكتهم، ويجوز أن يكون في موضع نصب على الحال من مرفوع " تملكهم ".
و " قَدْ " معها مضمرة عند من يرى ذلك.
وقوله :﴿مِن كُلِّ شَيْءٍ﴾ عام مخصوص بالعقل ؛ لأنها لم تؤت ما أوتيه سليمان.
قوله :" وَلَهَا عَرْشٌ " يجوز أن تكون هذه جملة مستقلة بنفسها سيقت للإخبار بها، وأن تكون معطوفة على " أُوتِيَتْ "، وأن تكون حالاً من مرفوع " أُوتِيَتْ "، والأحسن أن يجعل الحالَ الجارُّ، " وعَرْشٌ " مرفوع به، وبعضهم يقف على " عَرْشٌ " ويقطعه عن نعته.
قال الزمخشري : ومن نَوْكى القُصَّاصِ من يقف على قوله :" وَلَهَا عَرْشٌ "، ثم يبتدىء، " عَظِيمٌ وَجَدْتها "، يريد : أمرٌ عظيم أَنْ وجدتها، فرَّ من استعظام الهدهد عرشها، فوقع في عظيم، وهي مسخ كتاب الله.
قال شهاب الدين : النَّوكَى : الحمقى جمع َنْوَك وهذا الذي ذكره من أمر الوقف نقله الدّاني عن نافع وقرره أبو بكر بن الأنباري ورفعه إلى بعض أهل العلم، فلا ينبغي أن يقال (نَوْكَى القُصَّاص)، وخرجه الداني على أن يكون " عَظِيمٌ " مبتدأ، و " وَجَدْتُهَا " الخبر، وهذا خطأ، كيف يبتدىء بنكرة من غير مسوِّغ، ويخبر عنها بجملة لا رابط بينهما وبينه، والإعراب ما قاله الزمخشري من أن عظيماً صفة لمحذوف خبراً مقدماً، و " وَجَدْتُهَا " مبتدأ مؤخراً مقدراً معه حرف مصدري أي : أمر عظيم وجداني إياها وقومها غير عابدي الله.
قوله :" وَجَدْتُهَا "، هي التي بمعنى لقيت وأصبت، فيتعدى لواحد، فيكون " يَسْجُدُونَ " حالاً من مفعولها وما عطف عليه، فإن قيل : كيف استعظم الهدهد عرشها مع ما كان يرى من ملك سليمان، وأيضاً : فكيف سوَّى بين عرش بلقيس وعرش الله في الوصف بالعظم ؟.
فالجواب عن الأول : يجوز أن يستصغر حالها إلى حال سليمان، فاستعظم لها ذلك العرش ويجوز أن يكون لسليمان - مع جلالته - مثله كما قد يكون لبعض الأمراء شيء لا يكون مثله للسلطان.
١٤٠
وعن الثاني : أنه وصف عرشها بالعظم بالنسبة إلى عروش أبناء جنسها من الملوك، وَوَصْفُ عرشِ اللَّهِ بالعظم تعيمٌ له بالنسبة إلى سائر ما خلق من السماوات والأرض.
قال المفسرون : العرش السرير الضخم كان مضروباً من الذهب مكلّلاً بالدرّ والياقوتالأحمر والزبرجد الأخضر وقوائمه من الياقوت والزمرد، وعليه سبعة أبواب على كل بيت باب مغلق.
قال ابن عباس : كان عرشها ثلاثين ذراعاً في ثلاثين ذراعاً وطوله في السماء ثلاثون ذراعاً.
واعلم أن قوله :﴿اللَّهُ لاَ إِلَـاهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ [النمل : ٢٦] إن قلنا : إنه من كلام الهدهد، فالهدهد قد استدرك على نفسه، واستقلّ عرشها بالنسبة إلى عظمة عرش الله، وإن قلنا : إنه من كلام الله تعالى، فالله رد عليه استعظامه لعرشها.
فصل طعنت الملاحدة في هذه القصة من وجوه : أحدها : أَنَّ هذه الآيات اشتملت على أنَّ النملة والهدهد تكلما بكلام لا يصدر ذلك إلاَّ عن العقلاء وذلك يجر إلى السَّفْسَطَة، فإنَّا لوجوَّزنا ذلك لما أمِنّا من النملة التي نشاهدها في زماننا هذا أَنْ تكون أعلم بالهندسة من إقليدس، وبالنحو من سيبويه، وكذا القول في القملة والضئبان، ولجوزنا أن يكون فيهم الأنبياء والمعجزات والتكاليف، ومعلوم أنَّ مَنْ جوّزه كان إلى الجنون أقرب.
وثانيها : أنَّ سليمان - عليه السلام - كان بالشام، فكيف طار الهدهد في تلك اللحظة اللطيفة من الشام إلى اليمن، ثم رجع إليه ؟.
وثالثها : كيف خفي على سليمان (عليه السلام) ؟ تلك المملكة العظيمة مع أنَّ الجن والإنس كانوا في طاعته، وأنه - عليه السلام - كان ملك الدنيا كلها، وكان
١٤١


الصفحة التالية
Icon