جملها سبعمائة وستّة وثمانين، وإنْ باهيتها ببسملتك التي ترعد من كفرها الفرائص، وتجوز بالبهتان ما لا يجوز على الله من النقائص، ردت عليه وقالت : ليس لله من شريك، جملها سبعمائة وستة وثمانين، بحساب الألف التي بعد لامي الجلالة، وقالت : ولا أشر ربّي أحداً سبعمائة وستة وثمانين، وقالت : ما لِعُلُومِ الفلسفة أنوار هداية، سبعمائة وستة وثمانين، وقالت : يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ : سبعمائة وستة وثمانين، بإسقاط ألف الجلالة.
ولو استشهدت ببسملتك لشهدت لي بالحقّ عليك، وشكت إلى الله وإلى النّاس مما نسبت من الإفك والبهتان إليك، إذا ألفاظها - وحاكي الكفر ليس بكافر - تنافي المعقول والمنقول، وتنافر :" بسم الب والابن وروح القدس، إله واحد "، وباطنها يقول :" ما سبح إلاّ بنور، الإله القدوس واحد "، وتقول : بسملوا بالقرآن، ووحّدُوا الله قبله العذاب، ونظرت في محصلها من العدد، فإذا جملته ستمائة وستة وتسعون، فإذا قلت : أُفٍّ لها بسملة ما نزّل اللَّه بها من سُلطَانٍ، وافقت المعنى وطابقت العدد، وكانت ستمائة وستة وتسعون، وكذلك ما عطفته عليها من الكلام، وهو :﴿بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإَيمَان﴾ [الحجرات : ١١] موافق للمعنى مطابق للعدد : ستمائة وستة وتسعون، وكذلك قولك :" لا بسملة بحقّ كبسملةِ المسلمين " ستمائة وستة وتسعون، وقد أجابتك البسملة بما لم تحط به خُبراً، وجاءتك بما لم تستطع عليه صبراً، على الأسلوب الذي تضمنته شريعتكم، فإنّي رأيت في إنجيلك وقد سَأَلَتْ بنو إسرائيل المسيح أن يُرِيهم آية، ليؤمنوا به وهو في بيت المقدس، فقال : تهدمون هذا الهيكل، وأنا أٌقِيمُه في ثلاثة أيام، فقالوا : بيت بني في خمسة وأربعين سنة، يقيمه في ثلاثة أيام!! وعلله في الإنجيل أنه أشار إلى هيكل نفسه الذي هو هيكل آدم، وحمله خمسة وأربعون وفي هذا ردّ عليهم ليس هذا موضعه.
ورأيتُ في التوراة في البشارة بإسماعيل بعد قوله :" وأكبره وأنميه بماد ماد " ومعناه بحد جدلها بل اشار بها إلى اسم محمد - ﷺ -، بطريق الحمل، إذ هو اثنان وتسعون في الموضعين، وفي قصة يعقوبإذ قال لبنيه ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي﴾ [البقرة : ١٣٣]، فقالوا له : أعلم إسرائيل (الله أحد) فطابت نفسه، وعلم أن بنيه الاثني عشر سبطاً يعبدون الله وحده، لأنّهم عَدَلُوا عن قولهم :" اللَّه واحدٌ " إلى قولهم :" اللَّهُ أَحَدٌ "، إذ جملها ثلاثة عشر، وهي إشارة إلى أنّ الاثني عشر سبطاً يعبدون الله الواحد.
وفيه أنّ المصلّي إذا دخل في الصلاة تكون على رأسه طيلسان يسمى :" صيصيت "، وفي طرفه خمسة خيوط وثمان عقد ليجتمع له من جمع صيصت وهو ستمائة ومن خمسة
١٥٧
خيوط وثمان عقد ثلاثة عشر لتتمة ما عليهم من الفرائض، وهي ستمائة، وثلاث عشرة فريضة، ليذكورا بها ما كتب الله عليهم من الفرائض، والتزموا (بها).
ولنرجع إلى الإعراب والتفسير.
قوله :" أَلاَّ تَعْلوا " فيه أوجه : أحدها : أن " أَنْ " مفسرة كما تقدم في أحد الأوجه في " أَنْ " قبلها في قراءة عكرمة، ولم يذكر الزمخشري غيره، وهو وجه حسن، لما في ذلك من المشاكلة، وهو عطف الأمر عليه، وهو قوله :" وَأْتُونِي ".
الثاني : أنها مصدرية في محل رفع بدلاً من " كِتَاب "، كأنّه قيل : ألقي إليَّ أن لا تعلُوا عَلَيَّ.
الثالث : أنها في موضع رفع على خبر ابتداء مضمر، أي هو أن لا تعلوا.
الرابع : أنها على إسقاط الخافض، أي : بأن لا تعلوا، فيجيء في موضعها القولان المشهوران.
والظاهر أن " لا " في هذه الأوجه الثلاثة للنهي، وقد تقدّم أن " أَنْ " المصدرية توصل بالمتصرف مطلقاً.
وقال أبو حيان : و " أَنْ " في قوله :﴿أَن لاَّ تَعْلُواْ﴾ في موضع رفع على البدل من " كتاب "، وقيل في موضع نصب على :﴿بأَنْ لاَّ تَعْلُوا﴾، وعلى هذين التقديرين تكون " أن " ناصبة للفعل.
فظاهر هذا أنّها نافية، إذ لا يتوصر أن تكون ناهية بعد " أن " الناصبة للمضارع، ويؤيّد هذا ما حكاه عن الزمخشري، فإنّه قال : وقال الزمخشري : و " أن " في أن لا تَعْلُوا مفسرة، قال : فَعَلَى هذا تكون " لا " في :
١٥٨


الصفحة التالية
Icon