قال ابن عباس : طائعين، واختلوفا في السبب الذي لأجله أمر سليمان بإحضار عرشها، فقال أكثرهم : لأن سليمان علم أنها إن أسلمت يحرم عليها مالها، فأراد أن يأخذ سريرها قبل أن يحرم عليه أخذه بإسلامها، وقيل : ليريها قدرة الله تعالى وعظيم سلطانه في معجزة يأتي بها في عرشها.
وقال قتادة : لأنه أعجبه صفته لما وصفه الهدهد، فأحب أن يراه.
وقال ابن زيد : أراد أن يأمر بتنكيرها وتغييرها، فيختبر بذلك عقلها، ويؤيد ذلك قوله تعالى :﴿نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِى ﴾ [النمل : ٤١].
قوله :" قَالَ عِفْرِيتٌ " العامة على كسر العين وسكون الفاء بعدها تاء مجبورة.
وقرأ أبو حيوة : بفتح العين، وأبو رجاء وأبو السمال - ورويت عن أبي بكر الصديق -
١٦٣
" عفرية " مفتوحة بعدها تاء التأنيث المنقبلة هاء وقفاً، وأنشدوا على ذلك قول ذي الرمة : ٣٩٦٢ - كَأَنَّهُ كَوْكَبٌ فِي إِثْرِ عِفْرِيَةٍ
مَصَوَّبٌ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ مُنْقَضِبُ
قرأت اطائفة " عِفْر " بحذف الياء والتاء، فهذه أربع قراءات قد قرىء بهن، وفيه لغتان أخريان، وهما : عُفَارِيَّةٌ، وطيّىء وتميم يقولون : عِفْرَى بألف التأنيث كذكرى، واشتقاقه من العفر، وهو التراب، يقال : عافره فعفره أي : صارعه فصرعه وألقاء في العفر وهو التراب.
وقيل : من العفر، وهو القوة.
والعفريت من الجن المارد الخبيث، ويقال : عفريت نفريت، وهو إتباع كشيطان ليطان، وحسن بسن.
ويستعار للعارم من الإنس، ولاشتهار هذه الاستعارة وصف في الآية بكونه من الجن، تمييزاً له.
قال ابن قتيبة : العفرية الموثق الخلق.
وعفرية الديك والحبارى للشعر الذي على رأسهما.
وعَفَرْنَى للقويّ، ورجل عِفِرٌّ - بتشديد الراء - للمبالغة، مثل : شرّ شِمرٌّ.
قيل : إِنَّ الشيطان أقوى من الجن، وإن المردة أقوى من الشياطين، وإن العفريت أقوى منهما.
قال بعض المفسرين : العفريت من الرجال الخبيث المنكر، وقال ابن عباس : العفريت، الداهية، وقال الربيع : الغليظ، وقال الفراء : القوي الشديد.
قوله :﴿أَنَاْ آتِيكَ بِهِ﴾ يجوز أن يكون فعلاً مضارعاً، فوزنه أفعل، نحو : أضرب، والأصل : أأتيك - بهمزتين - فأبدلت الثانية ألفاً، وأن يكون اسم فاعل، ووزنه فاعل،
١٦٤
والألف زائدة، والهمزة أصلية عكس الأول.
وأمال حمزة " آتيك " في الموضعين في هذه السورة بخلاف عن خلاد.
فصل قوله :﴿قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ﴾ أي : مجلسك الذي تقضي فيه، قال ابن عباس : كان له في كل غداة مجلس يقضي فيه إلى انتصاف النهار، " وإِنِّي عليهِ " على حمله، " لَقويٌّ أَمين " به على ما فيه من الجواهر، فقال سليمان : أريد أسرع من هذا، فـ ﴿قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ﴾، فقيل : هو جبريل - عليه السلام - وقيل : ملك من الملائكة أيَّد الله به نبيه سلمان - عليه السلام - وقال أكثر المفسرين : هو آصف بن برخياء، وكان وزير سليمان، وكان صدّيقاً يعلم اسم الله الأعظم، إذا دعا به أجيب، وقيل : بل هو سليمان نفسه، والمخاطب هو العفريت الذي كلمه، وأراد سليمان - عليه السلام - إظهار معجزة، فتحداهم أولاً، ثم بين للعفريت أنه يتأتى له من سرعة الإتيان بالعرش ما لا يتهيأ للعفريت.
(قال محمد بن المنكدر : إنما هو سليمان قال له عالم من بني إسرائيل آتاه الله علماً وفهماً :﴿أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾، قال سليمان : هاتِ، قال : أنت النبي ابن النبي، وليس أحد أوجه عند الله منك، فإن دعوت الله وطلبت إليه كان عندك، قال : صدقت، ففعل ذلك، فجيء بالعرش في الوقت.
وضعف السهيلي ذلك بأنه لا يصح من سياق الكلام)، قال ابن الخطيب : وهذا القول أقرب لوجوه : الأول : أن لفظة " الذي " موضوعة في اللغة للإشارة إلى شخص معين عند محاولة تعريفها بقضية معلومة، والشخص المعروف بأنه عنده علم من الكتاب هو سليمان - عليه السلام - فوجب انصرافه إليه أقصى ما في الباب أن يقال : كان آصف كذلك
١٦٥


الصفحة التالية
Icon