تشديد السين - والتَّقاسم والتقسُّم كالتَّظاهر والتَّظَهُّر.
قوله :" بِاللَّهِ " إن جعلت " تَقَاسَمُوا " أمراً، تعلق به الجار قولاً واحداً، وإن جعلته ماضياً احتمل أن يتعلق به، ولا يكون داخلاً تحت القول، والمقول هو " لنُبَيِّتنَّهُ " (إلى آخره، واحتمل ان يتعلق بمحذوف هو فعل القسم، وجوابه :" لنُبَيِّتَنَّهُ " فعلى هذا يكون ما بعده داخلاً تحت المقول.
قوله :" لنُبيِّتَنَّهُ " ) قرأ الأخوان بتاء الخطاب المضمومة وضم التاء، والباقون بنون المتكلم وفتح التاء.
" ثُمَّ لَنَقُولَنَّ " : قرأ الأخوان بتاء الخطاب المضمومة وضم اللام والباقون بنون المتكلم وفتح اللام، ومجاهد وابن وثاب والأعمش كقراءة الأخوين.
(إلا أنّه بياء الغيبة في الفعلين، وحميد بن قيس كهذه القراءة في الأول، وقراءة غير الأخوين) من السبعة في الثاني.
فأمَّا قراءة الأخوين فإن جعلنا " تقاسموا " فعل أمرٍ، فالخطاب واضح، رجوعاً بآخر الكلام إلى أوله، وإن جعلناه ماضياً، أو أمراً فالأمر فيهما واضح وهو حكاية إخبارهم عن أنفسهم وأمّا قراءة الغيبة فيهما فظاهرةٌ على أن يكون " تَقَاسَمُوا " ماضياً رجوعاً بآخر الكلام إلى أوله في الغيبة، وإن جعلناه أمراً كان " لنُبَيَّتنهُ " جواباً لسؤال مقدر، كأنّه قيل : كيف تقاسموا ؟ فقيل : لَنُبَيِّتَنَّه.
وأما غيبة الأول والمتكلم في الثاني : فتعليله مأخوذ ممّا تقدّم في تعليل القراءتين، وقال الزمخشري : وقرىء " لتُبَيِّتنَّهُ " بالتاء والياء والنون، فـ " تَقَاسَمُوا " مع التاء والنون يصح (فيه الوجهان، يعني يصح) في " تَقَاسَمُوا " أن يكون أمراً وأن يكون خبراً، قال : ومع الياء لا يصح إلاّ أن يكون خبراً.
قال شهاب الدين : وليس كذلك لما تقدّم من أنه يكون أمراً وتكون الغيبة
١٧٩
فيما بعده جواباً لسؤال مقد.
وقد تابع الزمخشريَّ أبو البقاء على ذلك فقال :" تَقَاسَمُوا " فيه وجهان : أحدهما : هو أمرٌ أي : أمر بعضهم بذلك بعضاً، فعلى هذا يجوز في " لنُبَيِّتَنَّهُ " النون بتقدير : قولوا لنُبَيِّتَنَّهُ، والتاء على خطاب الأمر المأمور، ولا يجوز التاء.
والثاني : هو فعل ماض، وعلى هذا يجوز الأوجه الثلاثة.
يعني بالأوجه : النون والتاء والياء، قال : وهو على هذا تفسير، أي : وتقاسموا على كونه ماضياً مفسّراً لنفس " قَالُوا " وقد سبقهما إلى ذلك مكي - رحمه الله - وتقدم توجيه ما منعوه ولله الحمد، وتنزيل هذه الأوجه بعضها على بعض مام يصعب استخراجه من كلام القوم، وتقدّم الكلام في " مَهْلِكَ أَهْلِهِ " في الكهف.
فصل من جعله أمراً فموضع " تَقَاسَمُوا " جزم على الأمر، أي : احلفوا، ومن جعله فعلاً ماضياً فمحله نصب أي : تحالفوا وتوافقوا لنبيتّنه لنقتلنه، بياتاً أي : ليلاً، وأهله : أي : قومه الذين أسلموا معه، ﴿ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ﴾ : أي لولي دمه، " مَا شَهِدْنَا " ما حضرنا، " مَهْلِكَ أَهْلَهِ " إهلاكهم، ولا ندري من قتله، ومن فتح الميم فمعناه : هلاك أهله، " وَإِنَّا لَصَادِقُونَ " : في قولنا ما شهدنا ذلك.
قوله :" وَمَكَرُوا مَكْرً " غدروا غدراً حين قصدوا تبييت صالح والفتك به، " وَمَكَرْنَا مَكْراً " جازيناهم على مكرهم بتعجيل عقوبتهم، " وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ " فشبّه إهلاكهم من حيث لا يشعرون بمكر الماكر على سبيل الاستعارة.
وقيل : إنّ الله تعالى أخبر صالحاً بمكرهم فتحرز عنهم، فذلك مكر الله في حقهم.
قوله :﴿فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ﴾ : قرأ الكوفيون بفتح " أَنَّا "، والباقون بالكسر، فالفتح من أوجه :
١٨٠


الصفحة التالية
Icon