﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوا ااْ أَخْرِجُوا ااْ آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾، أي : يتطهرون من هذا الصنيع الفاحش.
وقيل : قالوا ذلك على وجه الهزء.
﴿فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا﴾ قضينا عليها وجعلناها بتقديرنا " مِنَ الغَابِرِينَ "، أي : الباقين في العذاب، و ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً﴾، وهو الحجارة ﴿فَسَآءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ﴾.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ١٨٢
قوله تعالى :﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ الآية، العامة على كسر لام قل، لالتقاء الساكنين، وأبو السمال بفتحها تخفيفاً، وكذا في قوله :﴿وَقُلِ الْحَمْدُ للَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ﴾ [النمل : ٩٣]، " وَسَلاَمٌ " : مبتدأ، سوَّغ الابتداء به كونه دعاء.
فصل المعنى :" الحمد لله " على هلاكهم، وهذا خطاب لرسول الله - ﷺ - أمر أن يحمد الله على هلاك كفار الأمم الخالية، و ﴿وَسَلاَمٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى ﴾ بأن أرسلهم ونجّاهم.
وقيل : هذا كلام مبتدأ، فإنه تعالى لما ذكر أحوال الأنبياء - عليهم السلام - وكان محمد - عليه السلام - كالمخالف لمن قبله - في العذاب ؛ لأن عذاب الاستئصال مرتفع عن قومه - أمره الله تعالى بأن يشكر ربّه على ما خصّه به من هذه النعم، وبأن يسلم على الأنبياء الذين صبروا على مشاق الرسالة.
قوله :﴿وَسَلاَمٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى ﴾ قال مقاتل : هم الأنبياء والمرسلون بدليل قوله تعالى :﴿وَسَلاَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ﴾ [الصافات : ١٨١].
وقال ابن عباس - في رواية أبي مالك - هم أصحاب محمد - ﷺ - وقال الكلبي : هم أمة محمد وقيل : هم كل المؤمنين من السابقين واللاحقين.
١٨٤
قوله :" أَمّا " أمْ هذه متصلة عاطفة، لاستكمال شروطها، والتقدير : أَيُّهُمَا خَيْرٌ، و " خَيْرٌ " إمَّا تفضيل - على زعم الكفار - وإلزام الخصم، أو صفةٌ لا تفضيل فيها.
و " مَا " في " أَمْ مَا " بمعنى الذين، وقيل : مصدرية، وذلك على حذف مضاف من الأول، أي أتوحيد الله خير أم شرككم ؟ وقرأ أبو عمرو وعاصم :" أَمَّا يُشْرِكُونَ " بالغيبة حملاً على ما قبله من قوله :" وَأَمْطَرنَا عَلَيْهِمْ "، وما بعده من قوله :" بَلْ أَكْثَرَهُمْ "، والباقون على الخطاب، وهو التفات للكفار، بعد خطاب نبيه - عليه السلام - وهذا تبكيت للمشركين بحالهم، لأنهم آثروا عبادة الأصنام على عبادة الله تعالى، ولا يؤثر عاقل شيئاًعلى شيء إلا لزيادة خير ومنفعة، فقيل لهم هذا الكلام تنبياً لهم على نهاية ضلالهم وجهلهم، وروي أنّ رسول - ﷺ - كان إذا قرأها قال :" بل الله خير وأبقى وأجل وأكرم ".
قوله :" أَمَّن خَلَقَ " " أَمْ " هذه منقطعة، لعدم تقدّم همزة الاستفهام ولا تسوية، و " مَنْ خَلَقَ " مبتدأ وخبره محذوف، فقدَّره الزمخشري : خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ، فقدر ما أثبت في الاستفهام الأوّل، وهو حَسَنٌ، وقَدَّرَهُ ابن عطية : يُكفَر بنعمته ويُشْرك به، ونحو هذا من المعنى.
وقال أبو الفضل الرازي : لا بُدَّ من إضمار جملة معادلة، وصار ذلك المضمر كالمنطوق لدلالة الفحوى عليه، وتقدير تلك الجملة : أم مَّنْ خَلَقَ السَّمَواتِ والأَرْض كَمَنْ لَمْ يَخْلُقُ ؟ وكذلك أخواتها، وقد أُظْهِرَ في غير هذا المواضع ما أُضْمِر فيها، كقوله :﴿أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ﴾ [النحل : ١٧].
وقال أبو حيان : وتسمية هذا المقدر جملة إن أراد أنّها جملة من جهة الألفاظ فصحيح، وإن أراد الجملة المصطلح عليها في النحو، فليس بصحيح، بل هو مضمر من قبيل المفرد.
وقرأ الأعمش :" أَمَنْ " بتخفيف الميم جعلها (مَنْ) الموصولة داخلة عليها همزة الاستفهام، وفيها وجهان :
١٨٥


الصفحة التالية
Icon